انجرف المشهد السوري منذ خمس سنوات مضت في تيارات لم تؤد بنا الا الى الهاوية سقوطاً، حيث نجد من جهة تيار طائفي هدفه زرع الكره وتحريك الفتنة والاقتتال بين المكونات السورية ليدّعي نهاية حماية الاستقرار عبر فروع المخابرات والعصا الأمنية ليوطد حكمه، ومن جهة أخرى تياراَ يلبس ظاهراً رداء الديمقراطية و صهر المكونات بالوحدة الوطنية و يفرض فعلياً فكراً سياسياً دينياً يقصي كل من يخالفه ويحارب من لا يقبل بوطن ذو لون واحد.
كان لهذين التيارين التأثير الأكبر فيما آلت اليه الأمور الكارثية لمدة خمس سنوات، في حين بدا واضحاً أن المكونات السورية المتمايزة بالمرجعية الثقافية الدينية و القومية، و التي تكوّن حقيقة سوريا، لا تجد مكانها في أن تنصهر تحت لون واحد يحدده المال السياسي و حامل راية السلاح أو أن تحارب باسم الطائفة و السلطة.
لم يكن أي من هذه التيارات مؤاتياً للأغلبية المسالمة من الشعب السوري الذين بدؤوا ينتظمون في كيانات تعبر عن هوياتهم الجغرافية و الثقافية، مشكلين عبر كل كيان نواة متماسكة متفاهمة فيما بينها أولاً، لكي تكون قادرة على مد يد التعاضد و المواطنة نحو الآخر، ثم يتجمعون في كيانات أوسع تشبه الهوية السورية متعددة غير متحاربة و غير منصهرة و هي الكيانات الصاعدة اليوم نحو الخلاص حتماً فهي التي تمثل حقيقة سوريا، مكونات مجتمعية متعايشة و متمايزة، موجودة كما هي منضوية تحت راية وطنية.
أليس هو النموذج الأكثر واقعية عن سوريا كما هي على حقيقتها أجزاء لا تكتمل الا بتواجدها معاً ولا يصنع الواحد منها بمفرده وطناً…
يصعد اليوم هذا التصور المقارب للواقع السوري، في مواجهة هذه الصراعات التي يقودها دعاة الاقتتال و دعاة الهيمنة الفكرية، بقوة.
و لكن، و في ظل خلط المفاهيم و المعاني في سياق ما نعيشه من فوضى و دمار على جميع الصعد و مع سهولة توجيه الاتهامات السطحية و نشر مناظير مشوهة من قبل البعض، نجدهم ينتقدون هذه الكيانات الصاعدة باتباعها توجه طائفي، متناسيين أن المرجعية الثقافية أو القومية المختلفة لمكونات الشعب السوري حقيقة يتوجب احترامها فهي تمثل السوريين جميعاً، فليس هذا الواقع ما يتوجب محاربته و الغاؤه على العكس، فجهد كل مكون من جهته لحماية الوطن و النهوض به واجب و به تُحارب الطائفية و هو مصدر قوة جماعية لا مصدر ضعف.
أما الطائفية الحقيقية فهي أن تدّمر الآخر و تقصيه و أنت تبتسم بوجهه و تلقي عليه دروساً بالوطنية، الطائفية الحقيقية هي كلمة سخرية و كره تجاه الآخر في السر أو في العلن، الطائفية هي أن لا تقبل بمجرد التعاون مع الآخر لأنه مختلف.
محاربة الطائفية ليست بتجاهل موروثات ثقافية وإنسانية تشكل مرجعية لأغلبية السوريين بل محاولة جمعها في إطار وطني جامع و ليس موحد، ضمن دولة مدنية تفصل الدين عن السياسة، مكونات متعاونة غير متحاربة و هنا يكمن الفرق، البدء هو بصدق الاعتراف بأننا مختلفين و لكننا قادرين على البناء و العيش معاً من أجل مستقبلنا جميعاً، اللاطائفية بالعمل و ليس بالقول، هي ما نحتاجه و نعمل عليه.
سميرة مبيض، باحثة و اكاديمية