مستقبل سورية…..
نظرياً وبموجب قرارات فيينا 14 /11 / 2015 وقرار مجلس الأمن رقم 2254 تاريخ 18 / 12 / 2015 حول سورية يفترض أن يلتقي وفدي الحكومة والمعارضة في مفاوضات مباشرة خلال أوائل أو أواخر كانون الثاني 2016 بإشراف دولي لمعالجة الأزمة السورية مترافقة مع وقف لإطلاق النار وهو ما يأمله ويتطلع إليه السوريون لوقف القتل والدمار والمآسي المتنوعة التي يعيشونها والمتصاعدة منذ خمس سنوات .
ولأن قرارات فيينا وقرار مجلس الأمن تشكل الإطار العام لجدول أعمال المفاوضات فإن القضايا التي سيتم بحثها ومعالجتها أصبحت معروفة لكنها شاقة ومعقدة وتحتاج إلى الكثير من الجدية والمسؤولية العالية للوصول للحلول المنشودة كما تحتاج لقرارات توافقية صعبة قد لا تكون في صالح المتقاتلين ولكنها بأي حال لصالح الشعب السوري خاصة وأن المفاوضات كما تشير القرارات ستفضي للبحث عن مستقبل سورية ، هذا المستقبل الذي له مقدمات كثيرة جداً بدءً ببناء الدولة ، دولة المواطنة والمساواة وسيادة القانون إلى إقامة النظام الديمقراطي الذي يفتح المجال للممارسة السياسة في المجتمع ويحقق الحرية للمواطنين في التعبير عن آرائهم ويسمح بتشكيل التيارات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، والمساهمة في رسم آفاق مستقبلهم والبناء عليه، والأهم من كل ذلك الآن هو إيجاد سورية التي أصبحت مقطعة الأوصال جغرافياً وكل فئة مسلحة تسيطر على جزء منها وتقيم عليها النظام الذي يلائم مصالحها من إمارات ومشايخ وإدارات ذاتية وجميعها بنظر أصحابها مشرعة وفق الأمزجة والإيديولوجيات والمصالح القومية والدينية. والشعب السوري فاقد الآن للحمته الاجتماعية وخضع قسراً لرغبات القوى التي تسيطر على الجغرافيا ، وهذا ما يلقي المسؤولية على جميع القوى والشخصيات الوطنية أن تعمل بكل جهد ممكن على لملمة هذا الوضع قبل البدء بأية مشاريع سياسية لأنه بدون هذه الملمة قد لا يكون الطريق سهلاً لمثل هذا العمل إن لم تكن له آثاره السلبية التي قد تسهم أكثر في تفتيت المجتمع .
لقد نص البند الأول من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على “إن مجلس الأمن إذ يؤكد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه “وبالتالي فإن هذا البند وبعد أن نضيف إليه عبارة ( وإعادة اللحمة لشعبها بكل مكوناته)، يلقي المسؤولية على الجميع للعمل بموجبه كونه يشكل دعماً دولياً لهذا المشروع شاركت في صياغته القوى المعنية بالأزمة السورية وكان لها دور فيها .
عند جعل ما ورد في هذا البند من قرار مجلس الأمن الآنف الذكر هدف المرحلة الراهنة وإجماع مختلف المواطنين عليه، وتحقيقه بالطبع لن يكون سهلاً وقد يستغرق وقتاً طويلاً، إلا أنه و بتحقيقه يمكن أن تنفتح النافذة السياسية التي يمكن وقتها أن تصبح الفرصة متاحة لمن رغب بتأسيس التيارات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وممكنة التحقيق أكثر بكثير من المرحلة الراهنة وإلا قد تكون مثل هذه الرغبات سبباً في إجهاض العمل السياسي في بلد لا يمكن الانتقال فيه من بلدة لبلدة، ومن منطقة لمنطقة أخرى ، وأعداد كبيرة من سكانه يعيشون في مخيمات اللجوء أو الهجرة، فكيف يمكن تشكيل هذه التيارات والأحزاب؟ وكيف ستمارس نشاطها إلا على الورق وعبر شبكات التواصل الاجتماعي التي لن تجدي ؟ ولهذا يتوجب علينا دعم هذا النص والعمل بموجبه، مع الأخذ بالاعتبار أن المشاريع السياسية المطروحة في المرحلة الحالية وقبل الوصول إلى تحقيق وحدة سورية قد يؤدي لوضع العصي في دواليب الحل السياسي لكثرة ما شهدته الساحة السورية في الداخل والخارج خلال سنوات الأزمة من محاولات ومؤتمرات عقدت لهذه الغاية ولم تحقق المطلوب لأن الخلافات فيها تغلبت على الاتفاقات .
وبالتالي فنحن مدعوون لدعم قرار مجلس الأمن وبنده الأول والعمل وفقه، انطلاقاً من دعم الحل السياسي والمفاوضات التي يفترض أن تنطلق على خلفية هذا الحل وفق نفس القرار على أن هذا الدعم قد يؤدي لوحدة سورية و لتحسين شروط المفاوضات والوصول بها إلى أفضل النتائج التي تخدم مصالح الشعب السوري الذي أصبح بحاجة ماسة لهذا الحل وهو يعيش ظروفاً قاسية لم يمر بها شعب من الشعوب حتى ولا في أصعب الحروب .