بيان حول تفجيرات حي عكرمة ونداء إلى أهلنا فيه
أولاً: من أطفال درعا إلى أطفال عكرمة، مروراً بأطفال عين جالوت: إنهم يقتلون المستقبل
مرة أخرى تضرب يد الجريمة كوكبة من أزهار بلدنا الحبيب، أطفالاً سقطوا مضرجين بأقلامهم وكتبهم المدرسية في مدرسة المخزومية في حي عكرمة بحمص، مرة أخرى يقتل العنف المجنون ضحكات الصغار، ويغتال أملنا بالغد الأفضل. إن استهداف الطفولة، أياً كانت الدوافع، وأياً كانت المبررات هو جريمة وطنية كبرى، وجريمة حرب وفق أحكام القانون الدولي، ويجب الكشف عن مرتكبيها ومعاقبتهم أياً كانوا أمام المحاكم.
لقد شهد جميع السوريين، وشهد العالم أجمع، كيف تم قلع أظافر أطفال درعا وتعذيبهم في معتقلات الطغمة الحاكمة، وشهد الجميع أيضاً على المجازر بحق أطفال الحولة والبيضا في بانياس، وجريمة الكيماوي بحق أطفال غوطة دمشق في 21 آب 2013، وكيف قصفت طائرات الطغمة الحاكمة مدرسة عين جالوت في حلب في شهر نيسان من هذا العام، تلك الجريمة التي راح ضحيتها خمسة وعشرون طفلاً من أطفال سورية، وصولاً اليوم إلى جريمة أخرى ارتكبت بحق أطفال سورية في حي عكرمة بحمص.
إن جرائم القصف العشوائي على المناطق المدنية، وجرائم استخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة في المناطق السكنية، يعتبر مخالفة جسيمة للقانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات جنيف والبروتوكول الثاني الملحق بها. وإننا في حزبنا ندين بأشد العبارات أي استهداف للمدنيين من أي جهة كانت، وتحت أي مسمى كان، كما ندين التعرض للمؤسسات الدينية كافة، وللمنشآت التعليمية والطبية، من أي جهة، ونشدد على ضرورة توثيق جميع هذه الانتهاكات ورصدها لمعاقبة القائمين بها.
ثانياً: الطغمة المستبدة لا تستحق أن تكون قدوة لأحد
إن صون دماء السوريين وحياتهم وحرياتهم وكراماتهم هو الهدف الأسمى للثورة السورية، وكل خروج على هذا الهدف يعتبر خروجاً على قيم الثورة ومبادئها، لذلك نرى أن الأبشع من جريمة استهداف الأطفال هو تبرير هذه الجريمة تحت مسميات مختلفة، فالجريمة تبقى جريمة بغض النظر عن مرتكبيها وأسبابهم، وهذا ينسجم مع قناعتنا بأن السوريين متساوون في حقوقهم بالحرية والحياة والكرامة الإنسانية، وكل من يهدد هذه الحقوق الأصيلة هو عدوٌ لهم، ولوطنهم وثورتهم.
إن استباحة دماء أطفال حي عكرمة جريمة كبرى، حتى لو كان بعضهم أبناء لبعض القتلة والمجرمين الذين سلطتهم الطغمة الحاكمة على الشعب السوري ليمارسوا القتل والاغتصاب والتعذيب والنهب و”التعفيش” طوال السنوات الأربع الماضية. فالطغمة المستبدة ليست قدوة لأحد، ومن يقترب من أخلاقياتها وممارساتها، فإنما ينتمي إليها ويعيد إنتاجها، أياً تكن الذرائع والحجج التي يتستر بها. لذا من الأهمية أن يبرز السوريون إيماناً راسخاً بأن سورية وطنٌ لجميع السوريين, وأنها ستكون حرة، عزيزة، كريمة، ينعم فيها أبناؤها، بعد زوال الطغمة المستبدة التي عملت على تدمير سلم قيمنا الإنساني باحتقارها للحياة الإنسانية، وإهدار حرمتها.
ثالثاً: تحية إلى المتظاهرين في حي عكرمة.. ولكن!
يا أهلنا في حي عكرمة!
لقد أفرحتنا تظاهرتكم وأثلجت قلوبنا، احتجاجاً على الاستهانة بأرواح أبنائكم، فهي تبعث الأمل بإمكانية إطلاق موجة جديدة من ثورة الحرية والكرامة يحتاجها جميع السوريين. فأنتم تنطلقون من النقطة التي بدأ بها أخوتكم في درعا في آذار 2011، عندما تظاهروا بسبب رفض رئيس الطغمة المستبدة لمحاسبة الجاني الذي اقتلع أظافرهم وأهان أهلهم واستباح كرامتهم. ولعلكم تذكرون أيضاً عندما خرج أهالي حمص، منذ نحو ثلاث سنوات ونصف، في تظاهرات تطالب بإسقاط المحافظ كرمز لتسلط الطغمة الحاكمة على الشعب، وكان ما كان، وأنتم اليوم تتظاهرون من جديد، وترفعون الشعارات الأولى ذاتها. نخشى عليكم حقاً اليوم أن تتهمكم الطغمة المستبدة بالمندسين، ثم بالعمالة للدول، وفي الحصيلة بالإرهاب، بعد أن تطلق “زعرانها” في صفوفكم وتعيث إجراماً وفساداً فوق ما مارسته خلال الفترة الماضية.
لكن، لعلكم تعلمون أيضاً أن المحافظ واللجان الأمنية، وجميع المسؤولين الذين تطالبون بإسقاطهم ومحاسبتهم لا وزن لهم، وليسوا أكثر من دمى و كركوزات متحركة في يد الطغمة المستبدة التي يجب محاسبتها، في الحد الأدنى لأنها فشلت في صون البلد، ولم تحافظ على أرواح أهله. ولعلكم تعلمون أيضاً أن الإعلام الرسمي الذي تنتقدونه اليوم في تظاهرتكم لأنه لم يعلن الحداد، هو الإعلام الرسمي نفسه الذي قال عنه أشقاؤكم في الوطن منذ ثلاث سنوات على الأقل “الإعلام السوري كاذب.. كاذب”، وهو الإعلام ذاته الذي فبرك القصص والأكاذيب وحكايات المندسين والمؤامرات والتظاهرات المصنّعة في دول عدة.
تكشف هذه الجريمة مدى استهتار هذه الطغمة الحاكمة بأرواح أطفالكم، وبأرواح جميع أطفال سورية, فهي لا تميز بين موال ومعارض، وتنظر إلى جميع السوريين بوصفهم مجرد وقود في حربها القذرة المستمرة. فأنتم لا تساوون شيئاً في عرف هذه الطغمة، مثل جميع السوريين، ولستم أكثر من مادة لاستمرارها في حكم ونهب البلد واستعباد أهله كلهم. لذلك، فمناشدتكم لرئيس الطغمة، من حيث تدرون أو لا تدرون، لن تغير شيئاً بل هي تعدنا بالمزيد من سفكه للدماء، وقد آن لكم، وللجميع، الإقرار بأن هذه الطغمة هي الطاعون الرئيس الذي يفتك بالبلد وأهله.
كذلك، هناك على مقربة منكم أهلكم في حي الوعر، أطفالهم يقصفون ويُقتلون ويُجوَّعون ويُحاصرون، وإننا ندعوكم لرفع الصوت عالياً ضد جرائم هذه الطغمة التي امتدت إلى أنحاء سورية كافة، فقتلت الأطفال والمدنيين في أكثر من مكان، وقديماً قالوا حكمة شهيرة: من يقبل قتل أطفال الآخرين، فإنه يفتح الباب تلقائياً لقتل أولاده.
رابعاً: فوضى بإدارة الطغمة المستبدة
يطرح التفجيران في حي عكرمة تساؤلات مهمة حول كيفية حدوثهما في منطقة تعتبر آمنة ومحصنة بالحواجز، فضلاً عن محاصرة المناطق الأخرى حولها، إلى جانب تعدّد المتدخِّلين في الوضع السوري، وتشابك المصالح وتعقدها، بحيث لم يعد هناك إمكانية لتحديد الفاعلين من دون تحقيق جنائي مسؤول ونزيه ودقيق. فقد أصبحت، على سبيل المثال، الحياة في حي عكرمة، والأحياء الأخرى، رهينة الخلافات والتنازعات بين عناصر الدفاع الوطني وعناصر الفروع الأمنية، فضلاً عن الدور الذي تقوم به ميليشيا حزب الله التي استجلبتها الطغمة الحاكمة، والأدوار الأخرى المستنكَرة والمدانة التي تقوم بها جماعات متطرفة سورية وغير سورية.
لكن، من البديهي القول إن حالة الفوضى التي وصلت إليها البلاد، وثقافة العنف التي انتشرت وتعمقت، يتحمل مسؤوليتها بشكل أساسي الطغمة المستبدة التي دفعت بالسوريين نحو حرب مجنونة، فيما هي مستقرة وآمنة، وتنعم بخيرات البلد والامتيازات الفائقة، لها ولأبنائها. إن الطريقة التي أدارت فيها هذه الطغمة الأمور طوال السنوات الأربع الماضية ستؤدي إلى قتل الجميع في الحصيلة، ولا حل أمام السوريين لينعموا بالأمن والأمان، والخروج من هذه الدوامة إلا برحيل هذه الطغمة، وإنجاز عملية سياسية انتقالية تضمن تحقيق السوريين لتطلعاتهم في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، دولة جميع المواطنين, الدولة الحامية للجميع، والخادمة للجميع, الدولة التي تصون كرامة وحرية الجميع من دون أي تمييز بين سوري وآخر لأي سبب كان.
خامساً: تحية إلى أطفال الوعر وأهلهم
كما هو معروف، فإن حي الوعر محاصر بشكل شبه تام منذ نحو عام, ويخضع جميع الداخلين إلى الحي، بمن فيهم النساء، لتفتيش دقيق. ومع ذلك، خرجت من الحي تظاهرة تضامنية مع أطفال عكرمة الشهداء, رفعت لافتات تندد بقتل الأطفال في مختلف أنحاء سورية, وتدين التفجيرات التي حصلت.
تحية إلى أطفال الوعر وذويهم، الذين أرادوا أن يعلموا الجميع أن عودة السوريين إلى وحدتهم وشعارهم الأصيل “الشعب السوري واحد“, تعني بالضرورة رفض أي جريمة ترتكب بحق السوريين أياً كان الجناة، وأياً تكن أسبابهم.
الخاتمة:
إننا، في حزب الجمهورية، نتقدم من أسر شهداء حي عكرمة، ومن أسر جميع شهداء سورية، بالعزاء. فكل قطرة دم سورية تراق هي كارثة على الوطن، وكارثة على مستقبل أبنائه. أولادكم هم أولادنا، ونأمل أن يكون أبناء أي منطقة في سورية هم أبناء الجميع.
تعالوا يا أبناء سورية.. يا جميع أبنائها.. من القامشلي إلى الجولان.. ومن درعا إلى حلب.. ومن اللاذقية إلى البوكمال… لنمسك يداً بيد، ونأخذ بلدنا بعيداً من الاستبداد والعبودية وخفافيش الظلام، لنبني وطناً حراً، ودولة وطنية تليق بالسوريين، دولة أساسها الحرية والكرامة.
الرحمة لجميع الشهداء والعزاء لذويهم
عاشت سورية حرة أبية
اللجنة التنفيذية لحزب الجمهورية 3 تشرين الأول / أكتوبر 2014