على هامش اجتماع الجمعية العمومية للمنبر الديموقراطي السوري المنعقد في القاهرة من 12 وحتى 17 نيسان في 2012 تم عقد اجتماع تشاوري ما بين مجموعة من القوى الديموقراطية السورية، وكان الموضوع الاساسي هو تفعيل التيار القومي العربي في سورية، ولقد كان هناك مجمةعة دراسات سنقوم بنشرها بالتوالي. هذه الدراسة هو مساهمة الاستاذ منير درويش، وهي بالطبع مفتوحة للنقاش والحوار، وهذا هو الغاية الاساسية من نشره بالاضافة طبعا لوضعه كوثيقة من وثائق الحضارة.
في سياق تفعيل المشروع القومي العربي الذي جرى النقاش حوله ، والاتفاق عليه . أتقدم لكم بمساهمتي المتواضعة هذه حول المشروع القومي العربي أو المشروع النهضوي العربي ، أو أية تسمية أخرى يجري الاتفاق عليها لا حقاً . سأستخدم هنا تسمية المشروع القومي العربي .
هذا المشروع ليس بديلاً للمشاريع الأخرى التي طرحت سابقاً ، بل رؤية شخصية قد تضيف إلى ما طرح شيئاً أو تكملها . وهو عبارة عن أفكار عامة . وخطوط عريضة كل موضوع منها يحتاج إلى نقاشات جادة للوصول إلى صيغة كاملة وموحدة مع المشاريع الأخرى . بالطبع نحن هنا لا نؤسس لحزب سياسي بل نحاول تفعيل تيار سياسي له وجوده وأهميته المفصلية في الواقع العربي سواء على صعيد كل دولة أو بشكل عام . نأمل أن يناقش بجدية .
المشروع القومي العربي .
مع بداية انطلاقة ثورات الربيع العربي بدءاً من عام 2011، طرحت مجدداً معالجة أوضاع المشروع القومي العربي الذي لم يكن حاضراً بقوة في هذه الثورات، لكنه لم يكن غائباً عنها
إلا أن هذه المعالجة التي اهتمت فيها أعداد كثيرة من مختلف فصائل التيار القومي ، لم تكن من خلال الإشادة وتثمين المواقف وتجاوز الأخطاء كما جرت العادة ، بل أنها ألقت عليه مسؤوليات ومهام جسيمة تمثلت بأن يقوم حاملوه بكل فصائلهم بإجراء مراجعة للمرحلة الطويلة الممتدة لأكثر من قرن ، وتقويم تجربتهم وبيان مثالبها ونجاحاتها بشفافية جادة دون تبريرات أو مواربات ، كانت تجري في كثير من الأحيان عند كل تقويم لهذه التجربة . كما تمثلت في ضرورة أن يسعى جاداً لتمايز نفسه عن كل تجارب الأنظمة لتي عمل معها أو عملت تحت رايته واستغلت تأييده لها أو شعبيته وشكل لها غطاءً سياسياً برر عسفها واستمرارها
كما طرحت عليه مهمة تحديد مفاهيمه تحديداً دقيقاً تتناسب مع تطورات الأوضاع العربية السياسية والبشرية ، والمكونات الاقوامية والاثنية والدينية على الصعيد العام وصعيد كل دولة عربية بحيث يكون منفتحاً عليها انفتاحاً ديمقراطياً يفتح الباب لبناء المجتمع الديمقراطي الموحد مستفيداً من التطورات العصرية في العالم ، ووضع الآليات العملية التي تساهم في تحقيق شعاراته بما يتناسب مع كل مرحلة من المراحل ، والقوى والإمكانيات الداعمة لها وعوامل القصور والإحباط فيها .
لماذا المشروع القومي العربي؟
خصوصية الأمة العربية ،لكل أمة من الأمم خصوصيتها، وخصوصية الأمة العربية أنها أمة مجزأة، وقسم من أراضيها محتلة، وثرواتها منهوبة، ولا زالت الإيديولوجية السائدة فيها هي إيديولوجية تعود إلى الماضي الذي يلقي بظله على الحاضر والمستقبل ويجعلهما بدلالته فتجعل الحاضر ، بدل أن ينظر إليه كمرحلة يمكن الاستفادة من تجاربها. هذه الإيديولوجية تكبل الفرد ، وتفرض عليه العبودية ويمنع تحرر المرأة ، وتقسم المجتمعات إلى تكوينات ما قبل الدولة الحديثة ،مما يساهم في إعاقة تقدم الأمة وتطورها . وتهيمن عليها الأنظمة السياسية التي حكمتها طوال العقود الماضية ولا زالت ، وهي أنظمة شمولية استبدادية صادرت إمكانيات شعوب الأمة وأجهضت محاولات تقدمها .
وتتميز أغلب شعوب بلدان الوطن العربي بنوع من عدم التجانس الداخلي بسبب جود مكونات من الأقليات أدت السياسات القائمة والاستبداد والوعي السائد إلى تهميشها ووضعها خارج إطار الوحدة المجتمعية . كما تتميز بوجود ثروات هائلة ، لكن هذه الثروات لا يستفيد منها المواطنون في الوطن العربي الذين تعيش الغالبية الساحقة منهم إما تحت خط الفقر أو أعلى منه بقليل وهذا ليس فقط بسبب السياسات الاقتصادية الفاسدة بل بسبب عمليات النهب والاستغلال والتوزيع الغير عادل للدخل ، بينما تستفيد من هذه الثروة قلة قليلة ، تبددها على البذخ والاستهلاك وتذهب إلى أسواق الدول الأخرى بدل ولا يستثمر منها في الداخل إلا الجزء الزهيد .
أمام هذا الواقع الصعب أو المأساوي للأمة لا بد من التأسيس لمشروع سياسي وطني قومي يشكل حاضنة لأهدافها، المتمثلة في التحرر، والوحدة، وتحقيق الديمقراطية.، والعدالة، فضلاً عن انتقال المجتمعات العربية من مجتمعات متأخرة ومتخلفة، إلى مجتمعات متقدمة، تتجاوز الإيديولوجية السائدة وتحرر المرأة وتعزز الوحدة الوطنية ووحدة الأمة وتواكب تطورات العصر.
إذن المشروع القومي العربي هو هذا المشروع السياسي بأهدافه المذكورة. وإذا كانت هذه الأهداف مترابطة إلا أن الواقع يفرض أن لا يأتي احدها على حساب الآخر إلا ضمن أسباب محددة ودون أية تبريرات .
نشأ الفكر القومي الذي أسس للمشروع القومي العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر ، في المرحلة التي تلت نجاح الدولة القومية في أوربا والتي ساعدت على بناء الدولة الحضارية المتقدمة، كما ترافق نشوءه مع نجاح الثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917 والتي تبنت نظرياً تحقيق الاشتراكية في مجتمعاتها والعالم ، لكن الدولة القومية الأوربية رغم صيانتها لحقوق الإنسان وتحقيق نموذجاً عالياً من الديمقراطية وتنمية حقيقية، ورغم خوضها حربين عالميتين كانت كارثية بالنسبة لها ، لكنها بدلاً من تعميق هذا النموذج الديمقراطي التنموي في العالم ومنها شعوب الأمة العربية التي لم يخفي مثقفوها إعجابهم بها ، وجدت في استعمار هذه الشعوب الوسيلة التي تعزز قدرتها وإمكانياتها لدعم أسس الدولة القومية ، خاصة وأنها قامت في فترة سابقة بمقاومة مشروع النهضة الذي مثله محمد علي ، وبالتالي فقدت مصداقيتها التحررية أمام الشعوب الأخرى . وعلى هذا الأساس قامت باحتلال الوطن العربي مستغلة ضعف العرب ، وقسمت الوطن العربي إلى دويلات واستغلت ثورته لصالحها . ورغم أن الاستعمار حاول زرع بعض بذور التقدم والديمقراطية في المجتمعات العربية التي احتلها وهي بذور هامة ، إلا أن ردود الفعل على سلوكه الاستعماري كان كبيراً ليس لوجوده العسكري أو السياسي بل لكل ما حمله من أفكار ومفاهيم متقدمة ، وإن كان لا مبرر لردود الأفعال هذه عموماً
في الجانب الآخر لم تستطع الثورة الاشتراكية ( الشيوعية ) أن تشكل نموذجاً ديمقراطياً بسبب الديكتاتورية والاستبداد التي مارستها قيادتها في الاتحاد السوفييتي السابق و الدول الاشتراكية ، مع اختلاف إيديولوجيتها ( الشيوعية عن الأيديولوجية السائدة لدى الأغلبية الساحقة من شعوب الوطن العربي.)
وشكل موقف هذه الدول بشقيها من قضية فلسطين واعترافها المبكر بإسرائيل عاملاً آخر في موقف الشعوب العربية الرافض لهذه السياسات بما فيها النخب السياسية التي انقسمت بين المحايد أو الرافض مع قلة مؤيدة .
أدت نكبة فلسطين وفشل الحكومات العربية في مواجهة النكبة إلى تصاعد التيار القومي ، واستطاع قيادة العمل السياسي في الأقطار التي كان فيها وخاصة بعد ثورة 23 يوليو في مصر وحرب التحرير الجزائرية إلى إسقاط المشاريع الاستعمارية ، وشهد ذروة صعوده بعد العدوان الثلاثي على مصر والانتصار السياسي الذي حققته بقيادة عبد الناصر الذي أدى لتحقيق الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 .
إلا أن الخطأ القاتل الذي ارتكبه التيار بكل فصائله وخاصة الأساسية منه ، حزب البعث، وحركة القوميين العرب والناصرية ، بعد هذه الانتصارات تمثل في وقوفه موقف المؤيد للانقلابات العسكرية التي سادت في تلك الفترة والسلطة التي أنتجتها وعززت دور المؤسسة العسكرية وتبنى مواقفها ودافع عنها ثم أصبح جزءً منها . واعتبر هذه الانقلابات بمثابة ثورات ستحرر الجماهير والأرض من ((المحيط للخليج)). وبالتالي فقد أصبح شريكاً في كل ما مارسته من ديكتاتورية واستبداد ، وإلغاء للحياة السياسية عندما قبل بتياراته المختلفة بالتضحية بالديمقراطية من أجل الوحدة وإلغاء الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني . وليس هذا وحسب بل أنه دخل في لعبة السلطة مباشرة .
وباختصار ، فإن عمق التجزئة وتكريسها ، وإجهاض إقامة الدولة الديمقراطية، دولة المؤسسات، وإحلال سلطة الاستبداد محلها ، وتبني نموذجاً اقتصادياً اعتمد نظرياً على النموذج ( الاشتراكي ) لكنه في الحقيقة لم يتعدى سيطرة السلطة على الموارد والاقتصاد وتسخيره لصالح أفرادها وإدارته إدارة فاسدة، قصور الوعي لدى التيار القومي والخصومات الحادة بين فصائله ، سيطرة الأنظمة التي حكمت باسمه وأذاقته الويلات ، قوة الضغط الاستعماري من المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي الذين وجدا فيه خطراً على مصالحهما ، قيام دولة إسرائيل ، وثقل الإيديولوجية المتأخرة السائدة ، وعدم المقدرة على تحديد الأولويات ، كل هذه العوامل ساهمت في إضعاف المشروع القومي وتراجعه خاصة بعد أن تلقفت الأنظمة العربية بشقيها ( التقدمي ) ( والرجعي ) نفس أهداف هذا المشروع وتاجرت بها وساهمت بفعالية في إجهاضها بتكريسها للتجزئة وإفقار الشعب وتفتيت المجتمع وتدمير مشروع النهضة وعززت الاستبداد والديكتاتورية مفهوماً وممارسة تلك الممارسة التي شملت كل المواطنين لكن أكثر ضحاياها أعضاء التيار القومي نفسهم الذين عانوا منها ملاحقة وقتلاً وتشريدا وسجنا واعتقالاً .ومع ذلك استطاع هذا التيار أن يصمد ويعيد إنتاج نفسه ومراجعة تجاربه، بين حين وآخر رغم كل الصعاب.
لم يكن الفكر القومي شوفينياً أو عصبوياً كما أراد البعض أن يصفه بل منفتحاً على كل المكونات الشعبية في الوطن العربي والتي انخرط قسم منها في صفوفه ، وكان حاملاً تطلعاتها ومدافعاً عن حقوقها ومتعاوناً معها ، معززاً قانون الأكثرية والأقلية السياسية التي تميز الحالة السياسية لجميع الشعوب التي تعيش الحالة الديمقراطية في العالم .
المشروع القومي والديمقراطية :
لن يكون للمشروع القومي أن يحقق أهدافه بدون الديمقراطية التي هي الرافعة الأهم لإنجاز هذه الأهداف بغيابها لا الوحدة ولا الاشتراكية ممكنة التحقيقولا تحرير فلسطين وبقية الأراضي المحتلة، ولا تحقيق التنمية هكذا أثبتت التجارب ، بل أن غياب الديمقراطية كانت السبب في تعثر هذه الأهداف ، لأنها الطريق الذي يحرر المواطن الفرد من العبودية السياسية والاستبداد والخوف ويعزز شعوره بمواطنته ويمنحه حق إبداء الرأي والتعبير والانتماء السياسي . إنها الضرورة لصيانة حقوقه، فوحدة الأسرة أو الدولة والأمة لا تبرر إلغاء حرية الفرد لأنها الجزء من حرية الشعب ، كما أنها الضرورة لإطلاق طاقات الأمة وزجها في معركة التحرير والبناء والتقدم، ورسم العلاقة الواضحة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين السلطة والشعب من جهة أخرى .
إن الديمقراطية نظام شامل يضم :
الحرية. حرية الرأي والتعبير والتنظيم. الخ.. التعددية السياسية والتمثيل السياسي بكل المعاني. الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء. التداول السلمي للسلطة وإقامة النظام الدستوري ، ودولة القانون .
إن التضحية بالديمقراطيةلأي سبب لن يضر بها فحسب بل بانجاز أهداف المشروع القومي برمته . لذلك فإن تبني هذا المشروع للديمقراطية وفق الأسس المطروحة ، يجب أن لا تشوبه أية شكوك أو تردد في الحاضر والمستقبل ، وعلى المثقفين في التيار القومي أن يتخلوا عن مقولة ” أن الشعوب العربية غير مؤهلة للديمقراطية ، فهي لم تعد مجرد مفاهيم تنتظر زرعها في المجتمع وانتظار نتائجها رغم أهمية ذلك ، لقد أصبحت الحالة السياسية التي لا تقبل التأجيل . هذا ما أثبتته التجارب السابقة أو ثورات الربيع العربي .
العدالة الاجتماعية :
العدالة الاجتماعية هي واحدة من المهام التي ينبني عليها المشروع القومي على أساس تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للدخل والثروة بين المواطنين بحيث تقلص التفاوت الطبقي والاستغلال والفقر، وتبني علاقات التكافل والتضامن بين أبناء الوطن والأمة.
المجتمعات العربية متشابهة إلى حد كبير بالتفاوت المعيشي و الطبقي ، في ظل محدودية الإنتاج ، والقسم الأكبر من شعوبها تعيش تحت خط الفقر أو بجواره ، بينما تنعم أقلية باحتكار الثروة واستغلالها وتبديدها . هذا الوضع يشمل الجميع بمن فيها الدول الغنية التي يصل فيها ( الدخل العام للفرد ) لأرقام خيالية مظللة في ظل هذا التفاوت .
لم يحقق شعار الاشتراكية الذي (تبنته) أنظمة الاستبداد (التقدمية) أو شعار الحالي.الاجتماعية التي تاجرت به أنظمة الثروة (الرجعية) أي تقدم يذكر في الحياة المعيشية لمجموع المواطنين بحيث تنعم بعيش كريم أقل ما يقال فيه أنه غير مذل ، وكون السلطة في الدول العربية سلطة مغتصبة احتكارية فقد سيطرت على مفاصل الثروة والعمل وعملت على توزيعها وفق ولاءات ومحسوبيات معينة ، بدل أن توزع على أساس الجهد والعمل وتكافؤ الفرص ، كما عززت نماذج الاقتصاد الاستهلاكي الترفي وشجعت على النهب والفساد .
إن المشروع القومي مطالب بــ :
- حماية الثروة الوطنية والقومية واعتبارها حقاً للأجيال القادمة كما هي حق للجيل الحالي .
- الثروة الوطنية والقومية، ملك للشعب، وأن يكون لكل مواطن حصته فيها وفق العمل والجهد الذي يبذله.
- الاعتراف بالملكية الخاصة والإرث كحق من حقوق المواطن .
- اعتبار العمل حق لكل مواطن .
توزيع وسائل الإنتاج على القطاعين العام والخاص .
دعم القطاع العام وتعزيز دوره ليكون قادراً بالمنافسة على قيادة العملية الاقتصادية وتحمله المسؤولية الأساسية في خطة التنمية دون إهمال دور القطاع الخاص كشريك في هذه العملية وذلك وفق خطة اقتصادية يجري إقرارها من قبل المؤسسات الديمقراطية المسؤولة .
- تنمية القطاعات الإنتاجية الأساسية وخاصة قطاعي الصناعة والزراعة .
- اعتماد قانون ضريبي عادل .
المشروع القومي والعلمانية :
إذا لم يكن المشروع القومي منذ بدايته قد تبنى العلمانية وفق التعريف التقليدي الذي ساد في أوربا بعد انتصارها على الكنيسة والذي يعني فصل الدين عن الدولة ، فذلك لأنه لم يستطع أن يتجاهل أن شعوب الأمة العربية على الصعيد العام أو في كل دولة ، يشكل المسلمون الغالبية الساحقة فيها وتحكمهم إيديولوجية غير مؤيدة لهذه العلمانية ، وهو ما جعله يأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار ، لكنه لم يتجاهل أن بناء الدولة المدنية الديمقراطية والقوانين الحديثة التي تحكمها هي مسألة مفصلية في نجاح الأمة لتحقيق أهدافها ، مما أعطى العلمانية مفهوماً مرناً ، فهي لا تلغي الدين من حياة البشر لكنها أيضاً لا تجعل من الإيديولوجية الدينية سبيلاً لقيادة الدولة وفق هذه الإيديولوجية ، وبناء الدولة التي تستمد تشريعاتها من الواقع المتطور بما يعزز تقدمها وتطورها .آخذة بالاعتبار التشريعات الإسلامية التي لا تتناقض مع عملية البناء هذه أو تحد منها . واستطاع أن يجمع بين مبدأين أساسيين (( لا إكراه في الدين )) الذي جسده الإسلام الأول، (( والدين لله والوطن للجميع )) الذي كان عاملاً في توحيد جهود المواطنين لمواجهة الاستعمار ونجحوا في ذلك. غن السير في وفق هذا المنهج سيخدم المشروع القومي .
المشروع القومي والإسلام: العلاقة بين العروبة والإسلام علاقة جدلية طبيعية فرضتها الحضارة العربية الإسلامية ، والثقافة المشتركة ، وبنفس القدر هي علاقة مصلحة إذ تتفاعل هذه العلاقة لتنتج مصلحة مشتركة بين الطرفين .
) هذا الموضوع يحتاج لشرح تفصيلي ( .
المشروع القومي والأقليات: رغم أن العرب يشكلون الأغلبية الساحقة من سكان الوطن العربي ، إلا أن حقوق الأقليات القومية والاثنية التي تتواجد بنسب متفاوتة في دول عربية أساسية ، مصر السودان والعراق وسورية والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان ، كالأكراد والبربر، والأفارقة والأقباط وغيرهم ، لا يجب أن ينظر إليها فقط بنسب عددها في هذا البلد أو ذاك بل بحقها بالتعبير عن ذاتها مهما كان عددها وأن يتجسد ذلك في الدستور والقانون ، هذا التعبير يأخذ بالنسبة للكتل التي لها واقع جغرافي شكل حق تقرير المصير كما في جنوب السودان أو شمال العراق أو في المغرب بينما يأخذ في البلدان الأخرى ، الحق في استخدام اللغة القومية بينهم ، وممارسة ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، كمواطنين لهم كامل حقوق المواطنة دون أي تمييز .
إن الخلاص من الاستبداد وقيام النظام السياسي الديمقراطي الذي يقسم المواطنين إلى أكثرية وأقلية على أساس انتمائهم السياسي هو كفيل بحل ليس مشاكل الأقليات فحسب بل مشاكل الشعب كله و التي تعتبر مشاكل الأقليات جزء منها . وذلك نظراً لارتباط هذه المشاكل بالاستبداد الذي مارسته الأنظمة لفترة طويلة على الشعب وحرمته من حقوق المواطنة
لقد أثبتت التجارب التاريخية في الوطن العربي ، أن الاستبداد الذي تجلى في جزء منه بقمع الهويات القومية من قبل السلطات العربية ، أنتج ظاهرتين ، الشعور بالغبن ، وظهور التعصب وتصاعده لديها من جهة ، وفتح القنوات للتدخل الخارجي بعد اللعب على الشعور القومي للأقليات من جهة أخرى .
المشروع القومي وقضية المرأة :
دون أية تفصيلات ورغم أن تحرر المرأة يتعلق بتحرر المجتمع ، فإن المشروع القومي مدعو إلى تبني المساواة الكاملة بين المرأة والرجل ، وإزالة كل اضطهاد ذكوري تاريخي موروث ضد المرأة ، وتأكيد هذا الحق على صعيد الدستور والقانون وخاصة في قانون الأحوال الشخصية الذي يجب أن يخلو من أي مظهر من مظاهر عدم المساواة .
المشروع القومي والوحدة :
الوحدة العربية ضرورة وراهنة لكن راهنيتها لا تعني أنها بأمر اليوم . لقد أثبتت التجارب أن بناء الدولة الوطنية الديمقراطية هي التي تؤسس لبناء المجتمع العربي الموحد وليس العكس ، لذلك فالمشروع القومي مطالب بتعزيز العمل من أجل هذه الدولة التي تتيح لجميع المواطنين فيها ممارسة حقوقهم ، وهي غير دولة الاستبداد القائمة (هي أساساً لا دولة بل سلطة ) التي سعت لتكريس التجزئة وفقاً لخدمة مصالحها ، لذلك فإن بناء هذه الدولة كفيل بكسر حاجز التجزئة وإضعافها ليتم فيما بعد الانطلاق نحو نموذج من التنسيق بين الأقطار العربية التي وصلت لهذا المستوى . إن تجاهل بناء الدولة الوطنية لن يؤدي بالضرر بالوحدة فقط بل بالوحدة الوطنية في كل دولة من الدول نظراً لهشاشة تماسك هذه الوحدة بسبب ميل المواطنين للاحتماء بمكوناتها العائلية أو المذهبية والقومية عند غياب هذه الدولة لذلك فإن العمل على بناءها وتدعيم هذا البناء هو لتعزيز قدرتها على استيعاب هذه الانتماءات وجعل ولاءها للدولة أولاً ، إن الوقت لم يعد ملائماً للتضحية بالدولة أو بالدول الوطنية الديمقراطية من أجل الوحدة دون تجاوز هذه الوحدة التي ستكون أقوى وأمتن عندما تتحقق لها مثل هذه الدول .
المشروع القومي وقضية فلسطين وتحرير الأراضي :
شكلت قضية فلسطين محور السياسات العربية خلال العقود الستة الماضية، فضلاً عن أجزاء أخرى من دول عربية لا زالت تحت احتلال دول أخرى.
إن حق التحرير هو عمل مشروع بكل المقاييس الإنسانية وبكل الوسائل الممكنة ، لكنه ليس عملاً عسكرياً بحتاً خاصة في ظل موازين القوى المحلية والدولية التي ليست لصالح العرب بل هو مشروع استراتيجي سياسي واجتماعي أيضاً يجب أن تتهيأ له كل قوى الأمة ، ويرتبط إنجازه بتحقيق الدولة الديمقراطية التي يستطيع الشعب فيها من تقرير مصيره والدفاع عن حقوقه ، لقد جرت مزايدات كبيرة من أجل التحرير وقع تحت تأثيرها التيار القومي نفسه و لم يكن لها أي أثر ،إلا تصاعد سيطرة القوة العسكرية وممارسة الاستبداد والفساد ، لذلك يجب ألا يقع المشروع القومي تحت تأثير هذه المزايدات من جديد .
إن كل أشكال المقاومة هي مشروعة لتحرير الأرض عندما يكون الشعب الدولة والمجتمع مهيأة لها ، وإن بناء القوات المسلحة الفعالة هو جزء من هذه التهيئة عندما تتولى مهمة التحرير وليس قمع الشعب وقهره . إن استئخار المواجهة العسكرية مع إسرائيل من أجل تحرير فلسطين كانت واحدة من المشاريع التي عملت عليها بعض التيارات القومية ( عبد الناصر مثلاً قبل عدوان 1967 ) وهي قائمة منذ أمد طويل إزاء دول أخرى تحتل جزءاً من أراضينا في تركيا وإيران وأسبانيا . إن الانفعالات السياسية والمزايدات كانت وراء المغامرات العسكرية التي سعت إسرائيل نفسها إلى جرنا إليها ، والتي لم تؤدي إلى الهزائم العسكرية فقط بل السياسية والاجتماعية والاقتصادية .
إن المشروع القومي يجب أن يتعامل مع الصراع العربي الصهيوني على أنه صراع تاريخي بين مجتمعين قبل أن يكون صراعاً عسكرياً بين جيشين وهكذا أيضاً بالنسبة لبقية الأراضي العربية التي لا زالت محتلة من الغير .إن استئخار المواجهة العسكرية ، هي من أجل بناء القوة الذاتية السياسية والاجتماعية والعسكرية التي تغير ميزان القوى لصالحنا وتكون قادرة على الحسم وليس على إضافة هزيمة جديدة
إن المشروع القومي العربي يجب أن ينظر للوطن العربي على أنه جزء من عالم متحرك متقدم ينتج كل يوم أشياء جديدة على صعيد المعرفة والعلم والاختراع والإنتاج ، وعليه أن يتعامل مع هذه الحقيقة بالاندماج فيه وفق مصلحته العامة ومصلحة دوله ، كما أن عليه اعتماد الإعلام المتقدم والمتطور الذي هو المفتاح للتفاعل مع هذا العالم .
اقتراح آليات العمل للوصول لتعميم المشروع
- توزيع جميع المشاريع التي أعدت على قوى وشخصيات من التيار القومي ومناصريه في مختلف البلدان العربية والخارج
- تقوم هذه القوى والشخصيات بدراسة هذه المشاريع وتضع ملاحظاتها عليها .
- يتم تسمية خمسة ممثلين لهذه القوى أو من الشخصيات تضع عناوينها وبريدها الإلكتروني .
- ترسل الملاحظات على البريد الالكتروني للشخصيات في البند 2 حيث يقومون بتجميعها وحفظها .
- وفق الإمكانيات تتشكل في كل بلد مجموعة من الذين يرغبون بالعمل بهذا التوجه أو بالمضمون العام للمشروع يشكلون النواة الأولى للتيار في هذا البلد أو ذاك. (ليس بالضرورة أن يكونوا متفقين على كل ما جاء فيه .(
- تشكل لجنة تضم ممثلين من هذه المجموعات ومن الشخصيات تعمل على الدعوة للقاء تشاوري في مكان يتفق عليه
- تشكل من هذا اللقاء لجنة تنسيق يتفق عليها تقوم بإعداد المشروع النهائي وفق المشاريع الموزعة والملاحظات عليها آخذة بالاعتبار تثبيت القضايا المتفق عليها ، والإشارة في بند مستقل للنقاط الاختلاف ، ويمكن لهذه اللجنة أن تستمر بالعمل للتنسيق بين مختلف المجموعات .
- التمويل من تبرعات المجموعات والشخصيات المشاركة كل وفق إمكانياته .
هذه المقترحات قابلة لأي تعديل ، إضافة أو حذف المهم الوصول للهدف النهائي .
ملاحظات على المشروع القومي العربي او المشروع النهضوي العربي – فؤاد حرب