المرحلة الناصرية: دعم حركات التحرر، حرب اليمن، هزيمة حزيران
توضيح: أثار القسم الاول من مقالة صداقة العمر المُساهِمة في هزيمة حزيران، الكثير من التساؤلات حول أهمية المرحلة الناصرية، فالبعض تقبلها كتذكير بمرحلة الستينات من القرن المنصرم، حيث كانت القومجية هي السائدة، والتي لم تكن بمستوى تطلعات شعوب المنطقة، والبعض الآخر اعتبرها مقصرة في نقد تلك المرحلة. الحقيقة ان هذه المقالة هي عبارة عن تحليل للمسلسل وليس دراسة للحركة الناصرية، ونحن نعرف بأن هناك جوانب كثيرة مقصرة في هذا المسلسل، ومن هنا جاء تحليلنا له الى جوانب لا نريد ان ندخل في زواريبها.
لم تنتهي العلاقة ما بين حكم جمال عبد الناصر الوحدوي، ومابين حزب البعث، بنهاية حكم الوحدة وبداية حكم الانفصال، حيث دخل الحكم الجديد في سجالات مع حكم عبد الناصر الذي أصر على ابقاء اسم الجمهورية العربية المتحدة، تأكيداً للطموح القومي والوحدوي لعبد الناصر.
أثر انقلابي البعث في كل من العراق وسورية، دخل عبد الناصر في محادثات لوحدة ثلاثية فشلها البعثيون في سورية، عبر الانقلاب على الحلفاء الوحدويين، وردت على ذلك القوى الناصرية في العراق، بزعامة عبد السلام عارف، ولم يكن لينجح في إسقاط حكم البعث الا بالتحالف مع الجناح اليميني للبعث بقيادة حازم جواد وطالب شبيب. دخل البعث وعبد الناصر في قطيعة ما بعدها قطيعة، وكثرت المهاترات من كلا الطرفين، الا ان كانت معركة تحويل مجرى نهر الاردن، حيث أضطر عبد الناصر ونتيجة لدماغوجية البعث ان يرضخ ويدعو الى سلسة من مؤتمرات القمة، وصولاً الى اتفاقية الدفاع المشترك ما بين سورية ومصر.
بعد سقوط حكم الوحدة لم ينكفئ عبد الناصر عن طموحاته القومية والوحدوية، حيث يشير المسلسل عن ان عبد الناصر ساعد الكثير من حركات التحرر الوطني، سواء في الدولة العربية مثل دعمه لكل من الثورة الجزائرية والجمهورية اليمنية الفتية.
هنا يشير المسلسل بأن العلاقة التي ربطت ما بين الدكتور عبد الرحمن البيضاني وما بين أنور السادات هي التي ورطت عبد الناصر في المستنقع اليمني، حتى بعد فشل الدكتور البيضاني في انقلابه على المشير عبد الله السلال. تورط عبد الناصر في صراع مع “الرجعية العربية” بقيادة السعودية، حيث يشير المسلسل بأن الصراع اليمني كان أكبر من توقعات عبد الناصر، حيث كان أنور السادات وعبد الحكيم عامر يَخفون على عبد الناصر حقيقة دموية الحرب اليمنية، وبأن الكثير من القوى السياسية الفتية في اليمن كانت رافضة للسيطرة المصرية، على القرار السياسي اليمني، ويظهر المسلسل المشير عبد الحكيم عامر بكل غطرسته وعنجيته الفارغة وعصبيته المفرطة، التي تحتوي مشروع ديكتاتور، وكما يظهر عبد الناصر كديكتاتور سياسي يحاول ان يمسك بكل الخيوط.
امتد دعم حركات التحرر الوطني من قبل حكم عبد الناصر الى افريقيا حيث أعتبر عبد الناصر الوحدة الافريقية هي عمق الوحدة العربية. وهذا الدعم كان يحمل الخزينة المصرية أكثر من قدرتها على تحمله.
ويشير المسلسل على العلاقة ما بين عبد لناصر ومحمد حسنين هيكل، الصحافي المرتبط بالسفارات سواء الغربية منها او الشرقية، حيث كان عبد الناصر يستخدم هيكل لإيصال الرسائل لهذه الدولة او تلك، وكانت هذه السفارات هي ايضاً تستخدمه لايصال الرسائل الى جمال عبد الناصر. وتستمر هذه العلاقة طيلة مدة المسلسل، حيث يحاول ان يعطيها حجماً أكبر من الحقيقة، وخاصة في علاقة الولايات المتحدة الامريكية، في عهدي الرئيس جون كنيدي وليندون جونسون، مع الدولة العبرية، وهي علاقة مبنية على ثوابت يحاول هيكل ان يفهم عبد الناصر بأن كنيدي يحاول ان يبتعد عن الدولة العبرية على عكس جونسون الذي وثق العلاقة أكثر وأكثر مع اسرائيل.
لست أدري لماذا أخفى المسلسل دور صلاح نصر لذي لعب دوراً لا بأس به في القسم الاول من المسلسل وصولاً الى اختفاء دوره المخابراتي في مرحلة ما قبل هزيمة حزيران وفي الايام الستة من حزيران 67، والتي كانت في الحقيقة يومين بالنسبة لمصر والايام الباقية كانت هزيمة للجيش السوري، الذي حولته الايديولوجية البعثية الى جيش عقائدي وليس جيشاً محترفاً.
يوصلنا المسلسل الى مايو 1967، وخضوع عبد الناصر للابتزاز البعثي حيث يشير المسلسل الى تخوف عبد الناصر من دخول المعركة ضد اسرائيل، لا لاسباب عسكرية بل لاسباب سياسية، حيث يقع عبد الناصر في فخ مناورته بسحب القوات الدولية وتسكيره مضائق تيران وتقدم القوات المصرية الى شرم الشيخ ورفح، وهو الطعم الذي دفع عبد الناصر ثمنه غالياً حيث أخفت القيادة العسكرية، بقيادة عبد الحكيم عامر، بأنها غير جاهزة للمعركة مع اسرائيل.
تخبطنا، ان صح التعبير، الحلقة الثامنة والعشرون من المسلسل، حيث يشير المخرج، وبشكل لا يخفي اي التباس، بأن عبد الحكيم عامر كان يدفع الى المعركة مع الدولة العبرية وعبد الناصر يحاول ان يجنب القوات المصرية الحرب، دون ان يغضب الحكم البعثي في دمشق.
هنا يتحدث المسلسل وبحياء عن انقلاب الملك حسين بن طلال من رافض لاي تعاون مع حكم عبد الناصر الى متعاون وبشكل كامل مع القيادة المشتركة المصرية – السورية، وهو دور لم يتكلم عنه أحد بالتفصيل وصولاً الى تسليم الملك الاردني الضفة الغربية والقدس الشرقية لاسرائيل.
في هذه الحلقة، ومع صبيحة الخامس من حزيران، يكشف المسلسل للمشاهد كيف ان دمرت اسرائيل وبشكل كامل القوات الجوية المصرية، وبقيت القوات المدرعة المصرية وقوات المشاة مكشوفة أمام اسرائيل الذين قصموا ظهر الجيش المصري وأكملوا ما بدأوه بتدمير هذه القوات الهائمة على وجهها في صحراء سيناء.
يختصر المسلسل ما حدث في حزيران 1967 بحوار ما بين عبد الناصر وما بين شمس بدران وزير الحربية المصرية، حيث يسئل عبد الناصر عن ما حدث، ويجيب شمس بدران بانه لا يعرف، فيجيبه عبد الناصر بأن في اسرائيل وزير دفاع يعرف كل شيء، وفي مصر وزير دفاع لا يعرف شيئاً.
الحلقتان الأخيرتين من المسلسل تتسرع الحوادث، حيث يشير المسلسل بانفراط عقد الصداقة ما بين عبد الناصر وما بين عبد الحكيم عامر، حيث يحمي الأخير مجموعة الضباط المسؤولين عن الهزيمة، والذي يريد الأول ان يقدمهم الى المحاكمة، وصولا الى موت المشير دون إيضاح الأسباب، هل هي انتحار كما قالت المصادر الرسمية، او نحر كما ادعى أنصاره وزوجته الثانية الفنانة برلنتي عبد الحميد.
لو لم يرضخ عبد الناصر للصداقة مع عبد الحكيم عامر، وتخلى عنه عند اول فشل عسكري هل كان من الممكن تجنب هزيمة حزيران؟ سؤال صعب الإجابة عليه لان في السياسة لا يوجد لو.
مقالة ذات صلة