كان يوم الاحد المصادف الثالث من حزيران 2012 موعدا لإفتتاح الدورة التشريعية الاولى لما اصطلح على تسميته زورا وبهتانا، بـ”مجلس الشعب السوري”، في هذه الجلسة ألقى رأس النظام السوري كلمة، جاءت نسخة مكررة لما سبقها من خطابات منذ بدأ الحراك السوري منذ ما يقارب العام والنصف من دخول سورية في دوامة الدم والقتل.
الملاحظة الاولى التي لفتت نظر المراقب، هو وجود د. نجاح العطار، النائبة الثانية للرئيس للشوؤن الثقافية، وغياب النائب الاول للرئيس فاروق الشرع، وهنا نطرح سؤالا هل كان غيابا ام تغييبا، ففـاروق الشرع لم يلحظ وجوده أحد منذ إختتام جلسات المؤتمر التشاوري.
الملاحظة الثانية كون هذه الكلمة مكتوبة، وبالطبع لا نعرف من هو كاتب خطابات الاسد، ولكنه كعادته خرج عن النص في تفسيرات لا مبرر لها الا اذا كان أمامه طلاب وليس مشرعيين. هنا كان الاسد محققا فهؤلاء ليسوا بمشرعيين بل هم عبارة عن مجموعة من الاشخاص، بعضهم أمي والبعض الآخر نصف أمي، وكل ميزتهم بأنهم قد باعـوا أنفسهم للأجهزة الأمنية. فهم في الاصل منفذين لا مشرعين، وقد جاء الدستور السوري الحديث – القديم لمصادرة كل السلطات ووضعها في يد شخص واحد هو رئيس الجمهورية، فمن هنا يحق له ان يلقنهم درسا في مهامهم، الا وهي البصم، لانهم كما يقول المثل ” صم بكم لا يفقهون.”
أهان الاسد الشهداء مرتين المرة الاولى في بداية كلمته، والمرة الثانية في الربع الآخير من خطابه، فعندما باشر بالقول “نقف إجلالاً وإكباراً لأرواح كل الشهداء،” وعندما هم أعضاء المجلس للوقوف دقيقة صمت عن أرواح الشهداء، أشار عليهم بالجلوس قائلا: “نحن لن نقف دقيقة صمت” ولقد كانت صدمة لكل من كان يستمع الى الخطاب فكيف بخل الاسد بدقيقة صمت على من بذل دمه من أجل سورية.
المرة الثانية كانت عندما تحدث عن مجزرة الحولة، حيث يقول “وإذا أردنا أن نعزي فلا نريد أن نعزي الأهالي والأقرباء فالعائلات ذهبت بأكملها،” وهذا إعتراف بأن ما حدث في سهل الحولة، كان مجزرة إبادة بحق عائلات كاملة من رجال ونساء، أطفال وشيوخ، مجزرة من قام بها، وباعترافه هو، إنهم من الوحوش، وهنا نسأل: واين كانت القوى المسلحة لتحمي هذه العائلات من الابادة من هذه الوحوش وهم شبيحته؟؟
كالعادة سبب الازمة، وهي أول مرة يعترف بها بأن هناك أزمة في سورية، ما هي الى مؤامرة على سورية “الممانعة” و”المقاومة” الخ… كلمات أصبحت ممجوجة وغير مقبولة من رئيس يحاول ان يكون واقعيا كما يدعي، فبالنسبة للنظام فالمؤامرة هي من اليوم الاول من التحرك، وكـعادته شتم بشكل او بآخر كل من الدول العربية التي لا تقف مع رأيه، وهم بالمناسبة كل الدول العربية باستثناء العراق المتحفظ ولبنان النأي بنفسه عن ما يحدث في سورية، وهي قلب العروبة والمنطقة النابض.
خطاب الاسد طويل ففي الزمن، كان 70 دقيقة، وفي عدد الكلمات كانت ما يقارب 7000 كلمة، كان يمكن ان تختصر الى النصف، لانها في العديد منها كانت تكرارا، ومن الصعب علينا جدا ان نقوم بتقييم كل كلمة قالها، ففي كل منها ما يمكن دحضه، ولكن سنكتفي ببعضها، او نجملها.
يخرج المراقب بأن النظام السوري يخدع نفسه ويسبح فوق الواقع عندما يوهم نفسه بأنه قد حقق الاصلاحات، والتعددية الحزبية، وقانون الاعلام، والدستور، وأجراء الانتخابات وتسيير المسيرات المؤيدة. فالجميع يعرف بأن كل هذه “الاصلاحات” ليست كذلك، بل هي ذر الرماد في العيون، فهي لم تكن أكثر من إعادة تثبيت لمفهوم النظام للإصلاح وليس إصلاح للمجتمع والدولة، الذي ينخر الفساد فيهما، أي إعادة انتاج للنظام القديم – الجديد.
أدان رأس النظام نفسه بنفسه عندما قال ” نحن لا نقوم بهذه الأعمال حبا بالدماء وقد فرضت علينا معركة فكانت النتيجة هذه الدماء التي نزفت.. وقد يقول البعض كنا نتمنى أن تكون هذه الدماء على الحدود وعلى الجبهة.. هذا الكلام صحيح ولكن العدو اصبح في الداخل ولم يعد على الحدود.” هنا يعترف الاسد بأن النظام البعثي، الذي عاد الى مجلس الشعب باكثرية 75% من اعضائه، لم يعمل طيلة سنوات حكمه اي شئ لبذل الدم من أجل الوطن وتحرير الجولان المحتل، وقد جاء تفسيره قاصرا، حيث برر هدر الدم السوري، بأن العدو ” غير التكتيك وغير الأسلوب.” هنا ايضا وجه رأس النظام، للشعب السوري إهانة جديدة، عندما اعتبرهم اعداء وهو اتهام مبطن، بالخيانة للشعب السوري الذي خرج من اجل استعادة كرامته وحريته.
يوغل الاسد في إهانة الشعب السوري عندما يقول ” البعض عاطل عن العمل يأخذ أموالاً ليخرج للمظاهرات.. كلنا نعرف هذه الحقيقة لكن البعض لديه عمل ترك غير التكتيك وغير الأسلوب. لأنه رأى العمل الآخر أسهل حيث يخرج لمدة ساعة أو نصف ساعة فيأخذ الأموال وهناك شباب في سن المراهقة 14-15 تقريباً أعطوا نحو 2000 ليرة سورية لقتل كل شخص، فما هو الثمن والوقت والجهد المطلوب منا كي ننظف ما علق في عقول وقلوب أولئك الشباب.. وكيف يمكن أن نعيد تربية هؤلاء كي يعرفوا بأن الفوضى لا تجلب سوى الفوضى وأن المجتمع لا يمكن أن يبنى إلا على الأخلاق الحميدة وأعتقد بأن التحدي أمامنا كبير جداً في هذا الإطار.” هنا نتساءل اذا كان ما يقوله الاسد صحيحا، فأين كانت الدولة لتمتص بطالة اولئك الاطفال، 14- 15 سنة، وأليس من المعيب ان يتهم رأس النظام هؤلاء بانهم قد باعوا انفسهم ببضعة دولارات. لقد تأخر النظام كثيرا لتربية هؤلاء الاطفال وهؤلاء الشبان، فالفساد السياسي والمالي والاخلاقي، الذي عمل النظام البعثي، ما يقارب النصف قرن، من أجل تفسيخ المجتمع السوري، وهنا إعتراف من رأس النظام بأن العديد من هؤلاء قد أفسد. هنا بالطبع كان عليه ان يشمل شبيحته الفاسدين في هذه اللاأخلاقية، اولئك الذين كانوا إحدى سمات مرحلة حافظ وبشار الاسد،وهم عصابات جميل الاسد واولاده الذين اذلوا منطقة الساحل، طيلة حكم الاسدين.
ما ذكرناه غيض من فيض، فيبدو ان الاسد لا زال مخدوعا، وهو لا يعرف حقيقة ما يقول، حيث أدان نفسه دون ان يدري، وكان غير واقعي عندما حاول الاختباء وراء “الاصلاحات” الوهمية، ونظرية “المؤامرة”، والحرب على ” الارهاب”. كان رأس النظام صريحا مع نفسه فقط وأقول فقط، عندما أكد إصرار سلطته الأمنية على الحل الأمني والإستمرار بقتل الشعب السوري، الذي يبذل دمه غاليا، من أجل كرامته وحريته ولقمة عيشه الشريفة والذي هدرها البعث منذ استلامه السلطة وحتى يومنا هذا.