مع بداية الصراع الدموي بين منظمة حماس الفلسطينية والدولة الإسرائيلية، طُرحت فكرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى صحراء سيناء المصرية، وهنا سنستخدم مصطلح “ترانسفير” للتعبير عن قسوة الإجراء وإجباره، إذ أنه أكثر تعبيراً من كلمتي “نقل” أو “طرد”. وقد رفضت الحكومة المصرية هذا المقترح بشكل قاطع.
لن نخوض في تواريخ الترانسفيرات خلال القرن العشرين بسبب قسوتها، بل سنتناول الأحداث في العقد الأخير من القرن الماضي، وبالتحديد الترانسفير الذي قام به الطاغية صدام حسين، حيث قام بعد هزيمته في حرب تحرير الكويت بثلاثة أنواع من الترانسفيرات؛ إذ نقل المكون الشيعي إلى جنوب العراق، والأكراد إلى الشمال، بينما ظل المكون السني في الوسط. نتج عن ذلك فرض الولايات المتحدة منطقة حظر طيران (No-Fly Zone) والتي أسست لظهور التطرف الإسلامي في المنطقة.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، شهدت المنطقة سلسلة من الترانسفيرات، إذ أن سقوط نظام طالبان في أفغانستان أدى إلى نوع من الترانسفير الداخلي إلى كل من باكستان وإيران، مما أسهم في بروز تنظيم القاعدة. ومع سقوط النظام الصدامي، انتقل التنظيم إلى العراق، حيث لعب النظام الإيراني دورًا في تشجيع تنظيم القاعدة على الانتشار، ما أدى إلى تصاعد تطرف الطائفيتين السنية والشيعية ونتجت عنه موجات هجرة واسعة نحو المنطقة العربية وأوروبا وأمريكا.
أسهم هذا التطرف في ظهور “الدولة الإسلامية” (داعش) التي تزامنت مع ظهور منظمات شيعية مثل “الحشد الشعبي” الذي شكل ذراعًا لإيران في العراق بدعم من رئيس الوزراء نوري المالكي. وقد أدى هذا الصراع إلى وقوع ترانسفير ومجازر بحق الأيزيديين والمسيحيين في سهل نينوى حيث عانى الملايين من التشرد والاضطهاد.
ومع انطلاق الثورة السورية ذات الطابع السلمي، عمد النظام السوري، بتحالفه مع “حزب الله” وتيار “الوطني الحر” اللبناني، إلى الترويج لمفهوم “تحالف الأقليات” الذي أسهم في عسكرة الثورة وتحويلها إلى صراع طائفي. وشهدت سوريا إثر ذلك مجازر طائفية مرعبة، خصوصًا في بانياس ودرعا، حيث تسببت الهجمات التي شنها “حزب الله” وكتائب أخرى في تهجير واسع للسكان من مناطق القلمون والقصير، وغلب الطابع الطائفي على هذه العمليات.
وبعد أن استعان النظام السوري بحلفائه الإيرانيين، سعى هؤلاء إلى تغيير ديمغرافي يهدف إلى إحلال طائفيين موالين لهم في مناطق ذات غالبية سنية مثل حمص وحلب، مستقدمين الشيعة من أفغانستان وباكستان تحت تسميات “الزينبيون” و”الفاطميون”. وقد أدى هذا التغيير إلى تهجير أكثر من عشرة ملايين سوري إلى أوروبا وتركيا ولبنان والأردن، بالإضافة إلى الهجرة الداخلية نحو الساحل السوري.
بالطبع، فإن الترانسفير المقترح للفلسطينيين في غزة محكوم عليه بالفشل، ورغم ذلك فإن المنطقة قد تشهد ترانسفيرات أخرى على غرار ما يشهده العالم اليوم، حيث أدت أوهام العظمة لدى بوتين إلى تهجير الأوكرانيين، إضافة إلى تهجير الأرمن من كاراباخ إثر التخلي عنهم لصالح القوات الأذرية التي استعادتها دون اعتبار لمأساة الشعب الأرمني.
لقد كان ماركس محقاً حينما قال “الدين أفيون الشعوب”، فالتطرف الديني والعرقي قد يدفع العالم نحو حروب جنونية تؤدي إلى المزيد من الترانسفيرات.