لأننا نقدنا تهورات الحركات “المقاومة الإسلاموية” واجهتنا تهمة خيانة القضية الفلسطينية، وهي تهمة أرفضها جملةً وتفصيلًا، من أي شخص كان. يؤكد الكاتب الفلسطيني الأستاذ ماجد الكيالي، على أن “لا أحد فوق النقد”، وهو منذ عملية طوفان الأقصى يعمل على نقد العملية بكل تفاصيلها. وأنا معه في هذا الموقف، لذا أشارك كل ما ينشره على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، سواء في فيسبوك، درج، مجلة المجلة، وغيرها.
كنت مترددًا في الرد، لكن عندما اتُّهمت بخيانة القضية، وجدت أنه لا بد لي من تناول الحركات المقاومة والممانعة بالنقد، تلك التي لا تسمي نفسها وطنية، بل هي الإسلاموية، وحتى لا تختلط الأمور سميناها الإسلاموية. لا بد من التأكيد أننا في التنظيم السياسي الذي انتميت إليه نقدنا المقاومة الفلسطينية منذ بروزها إثر حرب الأيام الستة 1967، التي هُزمت فيها الأنظمة السياسية العربية. وكنا نعلن مواقفنا هذه أمام قادة هذه المقاومات، كفتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والتي كنا على علاقة ممتازة مع قياداتها، ولم نُتهم قط بخيانة القضية. لقد خصص الراحل الكبير إلياس مرقص كتابًا كاملًا في نقد المنظمات الفلسطينية، إضافة إلى العديد من المقالات والدراسات التي نشرت في مجلة “دراسات عربية”، ولم يُوجه لنا أي اتهام بالخيانة، حتى عندما رد علينا ناجي علوش، المحرر السياسي لمنظمة فتح المجلس الثوري، وهي المنظمة الشديدة التطرف، والتي كان يقودها صبري البنا، أبو نضال. جاء رده ضمن آداب الحوار. اليوم، تنعكس الآية، وتكثر الاتهامات بالخيانة لمجرد اختلاف الرأي.
القضية الفلسطينية، أو “التغريبة الفلسطينية” كما أسماها الراحل الكبير حاتم علي، لم تعد وحدها القضية، فقد برزت إلى السطح أكثر من قضية. بعد سيطرة إيران على منطقة “الهلال الشيعي”، ظهرت عدة مسائل، منها المسألة الطائفية والتطرف المذهبي في كل من العراق وسوريا، حيث حول إرهاب الدولة في البلدين، وقتلهم لشعوبهم، العراق إلى قضية، وسوريا إلى قضية، وكذلك تحول السودان إلى قضية، ولبنان أيضًا قضية، إلخ. فسيطرة إيران على أربع عواصم عربية شكلت الهلال الشيعي، وأصبح الأحرار في هذه العواصم سجناء رأي بحجج واهية فقط لأنهم انتقدوا هذه القضايا.
حشدت إيران كل قوتها في دعم المنظمات الطائفية، من الحشد الشعبي والمنظمات المنطوية تحت راياته الصفراء. بالطبع، لا ننسى القسوة التي وُوجه بها الشعب السوري عندما غزت عصابات حزب الله الوطن السوري وأخذت بحجج طائفية تسيطر على المناطق السورية واحدة تلو الأخرى. فلو انتقدنا هذا الحزب على جرائمه، فهل نكون قد ارتكبنا خيانة للقضية؟ لا والله، نحن لم نخُن القضية، ومن نقدها نقدها من غيرته عليها.
تحولت حركة حماس الإسلامية إلى سلطة سياسية، ليصبح ما تبقى من الأراضي الفلسطينية تحت سلطتين؛ السلطة الحمساوية في قطاع غزة، الذي نُكب وتدمر بعد عملية الأقصى، حيث وقف الجميع يبكون على الأطلال، والسلطة الأخرى سلطة فتح في الضفة الغربية، وهما سلطتان متخاصمتان. حل الدولتين الذي يطالب به المجتمع الدولي تحول إلى حجة لإسرائيل كي تهرب من هذا الحل، فقد فرحت بهذا الانقسام الفلسطيني، ووجدت لها مهربًا من طرح حل الدولتين.
قامت حماس بعملية طوفان الأقصى، ولن نتكلم عن تفاصيل ما حدث، بل نقول إنها أعطت للمتطرفين اليهود المبرر لضرب هذه الحركة وتصفيتها وقتل قياداتها الواحد تلو الآخر، وكان مقتل يحيى السنوار آخر هذه المقتلة، وليست نهايتها. نتيجة طوفان الأقصى كان شعار “وحدة الساحات”، الذي فرضته إيران على حزب الله في لبنان، وقد شكل مدخلاً لإسرائيل لتصفية قيادات هذا الحزب واحدًا تلو الآخر، حيث تبين أن الخيانات تعشعش حول الحزب، سواء تقنيًا أو على الأرض، حيث وصلت إسرائيل إلى كل القيادات في حزب الله، من كتيبة الرضوان إلى كل قيادي على الأرض اللبنانية. حتى جاءت مجزرة البيجرات، التي خُطط لها ونُفذت في يوم واحد، بل في ساعة واحدة، حيث كان ضحاياها أكثر من 3000 ضحية، ولم ينتبه حسن نصرالله إلى أن “الموس” قد وصل إلى ذقنه، فاغتالته إسرائيل بدم بارد، مع خليفته هاشم صفي الدين ومن كان معهم من قيادات. في طوفان الأقصى دفع الشعب الغزاوي ثمناً غالياً، قتلاً وتدميراً وتهجيراً داخلياً، ودفع أهل الجنوب اللبناني، بكل طوائفه، ثمناً من القتل والتدمير والتهجير، وذلك نتيجة “وحدة الساحات”.
ولو أردنا الاسترسال في تعداد هذه النتائج، لخلصنا إلى النتيجة التي توصل إليها الكاتب في “أساس”، محمد بركات، بأن حزب الله قاتل بعقلية 2006، بينما إسرائيل واجهتهم وقاتلتهم بعقلية 2024 وعقلية التقدم التقني والعلمي. سنبقى ننقد الأخطاء، ولن نخاف من مسألة التخوين.