الزلزال الذي ضرب كلًّا من تركيا وسوريا ليس بزلزال عادي، بل هو زلزال كارثي. فالزلزال الذي ضرب الحدود التركية – السورية كشف للعالم المتفرج مدى معاناة الشعب السوري، لأنه كان الضحية الأكبر، حيث أن السوريين المتواجدين في الطرف التركي، معظمهم لاجئون يقيمون في المدن التركية الحدودية مثل غازي عنتاب، وأورفا، ومرعش، وأنطاكية، وإسكندرون، والريحانية، وكلّس، وغيرها من القرى والبلدات.
اهتمت الحكومة التركية بالكارثة التي لم تشهدها المنطقة منذ أكثر من قرن. فقد بلغت قوة الزلزال 7.8 درجات على مقياس ريختر، وهو يُعتبر زلزالاً كارثياً، وليس عادياً. وجهت الحكومة التركية كل إمكانياتها وطاقاتها المتوفرة للتعامل مع الكارثة، ولم تتردد في طلب المساعدات الدولية، التي استجابت لها أكثر من 60 دولة من مختلف أنحاء العالم. ونزل المسؤولون الأتراك، بدءاً من رئيس الجمهورية أردوغان إلى أصغر عضو في الحكومة، لاتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من آثار الكارثة على المواطنين الأتراك والسوريين القاطنين في الطرف التركي. وقد شمل الاهتمام إعلان الرئيس التركي الحداد العام في أنحاء تركيا لمدة سبعة أيام، إضافة إلى حالة الطوارئ، والتعبئة العامة لمدة ثلاثة أشهر في 10 ولايات.
هذا هو الحال في الجانب التركي، أما في الجانب السوري، فلم يتحرك ما يسمى بـ”الرئيس السوري” لتخفيف جراح الشعب السوري، الذي أنهكته الضربات بالبراميل المتفجرة من قبل هذا الرئيس العار. أطلق زبانيته وأبواقه ليتحدثوا عن ضرورة إزالة العقوبات، مع العلم أن المساعدات الإنسانية، سواء تلك المتواجدة على المعابر الحدودية أو المنتظرة، أصبحت مسيسة على حساب مأساة الشعب السوري.
نطرح هنا السؤال: هل سوريا بحاجة للمساعدات لتنتظر وصولها من أجل إزالة آثار الكارثة؟ نعم، هي بحاجة للمساعدات، ولكن لا، لأنها أيضاً غنية بالآليات المتوفرة، سواء في الجيش أو في المشاريع مثل سد الفرات في الطبقة، وفي مؤسسة الإسكان العسكري. أما في القطاع الخاص، فالحديث لا ينتهي؛ إذ أن آليات المقاولين الفاسدين كثيرة، ولو سُخِّرت لكانت أنقذت العديد من الأرواح المدفونة تحت الأنقاض.
لو كانت الحكومة السورية جادة في إنقاذ الأرواح السورية المطمورة تحت الأنقاض، لأعلنت حالة الطوارئ العامة وأصدرت الأوامر لكافة قطاعات الدولة بتوجيه آلياتها إلى المناطق المنكوبة، سواء كانت تلك المناطق تحت سيطرة المعارضة أو تحت سيطرة النظام. لكن هل تحركت ضمائرهم؟! لا والله. سنسايرهم ونقول إن أولئك الموجودين في مناطق المعارضة “إرهابيون” ولن يساعدوهم، فلهم الله إن وجد، لكن ماذا عن حلب، واللاذقية، وجبلة، وطرطوس، وبانياس؟ ما حدث في حلب وأطرافها كان بجهود فردية وليس من الحكومة، فالناس لجؤوا إلى الجمعيات الإسلامية والمسيحية لتوزيع الطعام والماء وفتح الملاجئ لإيواء من تهدمت منازلهم أو التي على وشك السقوط، وهي في الأصل كانت متصدعة بسبب ضربات البراميل المتفجرة والقنابل الروسية، التي دمرت كل حلب في حرب “الرئيس” على حلب بذريعة محاربة الإرهاب. لست متأكداً ما إذا كان قد زار حلب فعلاً، وإن زار، هل زار المناطق المتضررة مثل الكلاسة، وبستان القصر، والصاخور، والهلك، وصلاح الدين؟ لا والله لن أصدق حتى لو رأيتها بأم عيني.
أليس هذا “الرئيس” من زلزل الأرض السورية من شمالها إلى جنوبها؟ لم يوفر لها إلا القنابل البالستية والعنقودية، والبراميل المتفجرة، والقنابل الفوسفورية، والأسلحة الكيميائية. فكيف نريده أن يعلن التعبئة العامة؟ أفيدونا.
أما في الطرف الآخر من ريف حلب وإدلب، فالكارثة أعظم، حيث لا توجد إلا الوسائل البدائية لإزالة الأنقاض. وهنا يجب أن نحيي الخوذ البيضاء، لدورها البطولي في إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالوسائل المتاحة لديها، والتي يعتبرها النظام العاهر وزبانيته ساعة إرهابية، وساعة عميلة لأمريكا، وساعة لأوروبا وخاصة بريطانيا. ويا ليتهم كانوا! على الأقل، لكانت هذه الدول قد قدمت لهم يد العون. أصحاب الخوذ البيضاء هم أشرف من النظام المجرم ومن كل من يطالب برفع العقوبات.
الكارثة كبيرة، لا بل هي مأساة. سيتوقف البحث عن الأحياء تحت ركام جنديرس، وحارم، وسرمدا، ونبل، وسلقين، وغيرها من القرى والبلدات، وحتى في المدن السورية التي ضربها الزلزال. نحن لا نستثني أحداً بتقسيمات الحرب الأهلية، معارضة أو موالاة، فكلهم سوريون وبشر. ولكن بعد توقف البحث ستنكشف مأساة أعظم، وسنتألم كل يوم، بل كل ساعة.