الزلزال الذي ضرب شريط الفوالق الزلزالية فجّر قضايا عديدة، من أبرزها مسألة السلطة السياسية واستغلالها لموضوع الزلزال. هذا الاستغلال الرخيص الذي سرعان ما كشف زيفه، لتعود السلطة الطاغية في دمشق إلى استغلالها موضوع الزلازل في محاولة للعودة إلى المجتمع الدولي عبر بوابة المساعدات الإنسانية، مستخدمة آلام الناس الذين تأذوا من الزلزال. هذه السلطة لم تقدم أي شيء لإنقاذ الضحايا، لا على مستوى الإسعاف الفوري، ولا على مستوى فتح المعابر بين سوريا وتركيا لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
دخلت عبر تركيا مجموعة من الأطباء السوريين الأمريكيين إلى المناطق المحررة من سوريا، وتحديداً إلى ريف حلب ومحافظة إدلب، لمساعدة جرحى الزلزال، وهو ما لم يقم به النظام في دمشق. ونحن نعرف معظم هؤلاء الأطباء ونحييهم جميعًا.
موضوع الزلزال يقودنا إلى قضية العقوبات، وبالتحديد إلى قانون قيصر، وكذلك إلى الهم الاجتماعي والمعيشي، وكلاهما مرتبطان بطريقة لا يمكن فصلهما فيها عن بعض. بالنسبة لقانون قيصر، لا شك أن النظام يعلم جيدًا أنه يكذب حين يدعي أن القانون وُجِّه ضد الشعب السوري. كل من اطلع على قانون قيصر يدرك أنه عقوبات على النظام وأركانه فقط، ولا علاقة له بالهم المعيشي والاجتماعي. النظام يروج أن السبب في نقص المواد الغذائية والمحروقات والكهرباء هو العقوبات، وللأسف هناك من يصدقون ذلك دون تدقيق. بعد الزلزال دعا البعض إلى مظاهرات تحت شعار “ارفعوا العقوبات عن الشعب السوري”، ومعظم من رفعوا هذه الشعارات لا يعرفون حقيقة قانون قيصر ولم يطلعوا عليه.
قانون قيصر يفرض عقوبات على كل من تلطخت يده بدم الشعب السوري، أو من استغل الثورة السورية لجني أرباح غير مشروعة، وهو يشمل الفاسدين في النظام، ولا يمس الشعب السوري. القانون استثنى المساعدات الإنسانية والغذاء والدواء، والمنظمات التي كانت وراء قانون قيصر يضم سوريين قبل أن يكونوا أمريكيين. عليهم أن يدركوا أن هذه العقوبات ضد الفاسدين وليست ضد الشعب السوري، ومن يدعون رفع العقوبات في الحقيقة يتنقلون بين سوريا والخارج دون مضايقات.
أما الهم المعيشي، فلنتحدث بصدق. منذ حركة 8 آذار 1963 وقانون الطوارئ المشؤوم، يعاني الشعب السوري من أزمات معيشية مستمرة. هل مر وقت لم نواجه فيه أزمة كهرباء أو مياه أو نقل أو خبز؟ لقد عانى الشعب، وأنا واحد منهم، من نقص المازوت في الشتاء القارس رغم أن سوريا بلد نفطي. ولكن إلى أين تذهب أموال النفط السوري؟ هل تذهب إلى خزينة الدولة أم ميزانية الرئاسة؟
أذكر حين كان سعر الموز الصومالي ليرتين ونصف، ثم ارتفع فجأة إلى عشرة ثم عشرين ثم خمسين وستين ليرة سورية. هل كان هناك قانون قيصر لرفع سعر الموز؟ كانت المؤسسات الاستهلاكية تُعرف بين الناس باسم “المؤسسات الهلاكية” لتفننها في استغلال الفقر والفساد. في الثمانينيات، كانت البندورة تباع في المؤسسة بليرتين أو ثلاث، بينما تباع عند الباعة بخمس وعشرين ليرة. فهل كانت العقوبات الدولية على “البندورة”؟! الفساد، وليس العقوبات، هو ما منع المنتجات السورية من الوصول إلى الناس بسعر معقول.
وهل يشمل قانون قيصر المنتجات المحلية مثل البصل أو الثوم أو الخيار أو البقدونس؟ موضوع العقوبات والهم المعيشي هو خداع من الأنظمة البعثية المتعاقبة، وخاصة بعد الحركة التصحيحية، لتبرر السلطة عجزها وتقصيرها. إن الإعلام السوري استغل هذه الفكرة ليخدع البسطاء بأن العقوبات هي سبب كل أزماتهم، بينما هي في الواقع مفروضة على الفاسدين من أركان النظام.