مع العد العكسي لقدوم شهر رمضان، يبدأ العد العكسي للمسلسلات العربية، ويدخل المنتجون في صراع محتدم حول ما هي الدراما الأكثر مشاهدة، هل هي الدراما السورية، سواء أكانت تنشر الفكر المؤيد، ام المعارض، ام هي الدراما المشتركة السورية – اللبنانية، ام الدراما المصرية، الخ…. من المسلسلات.
الحقيقة الأولى هي ان كل مشاهد قد تخندق وراء الدراما التي تمثل بلده، فلم نرى مشاهداً قد تجاوز الانتماء الجغرافيا، ما عدا القلة القليلة، التي تحمل وعياً وثقافة خرجت من منطق الانتماءات الجغرافية، حتى لا نعطيها تسمية أخرى، شخصياً خرجت من هذا التخندق، وشاهدت بعض المسلسلات، منها التاريخي كسفر برلك، ومنها الميلو درامية اللبنانية – السورية كمسلسل النار بالنار، والمسلسل الذي يشير ويعالج قضية كالمسلسل المصري ” تحت الوصاية”، تميز هذا العام بالمسلسل الدرامي – السياسي، الا وهو مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” الذي شوهد على كل مستوى العالم العربي، واهمها المشاهد السوري، ولقد شوهد هذا المسلسل في الداخل والخارج، وبالطبع لم تستطع الأجهزة الأمنية، الذي مثلها في المسلسل حيدر، حيث تعملق في هذا الدور الصديق عبد الحكيم قطيفان، لم تستطيع ان تمنع الداخل من هذه المشاهدة.
الحقيقة الثانية هي ان كل المسلسلات اخذت تقصر حلقاتها، فلم تعد المسلسلات تدخل في مطولات سواء في طول الحلقات، او في تكرار المسلسلات على طريقة باب الحارة، بل اقتصرت غالبيتها على عدد قليل من الحلقات، فـ” سفر برلك” كان فقط عشرين حلقة، ومسلسل تحت الوصاية من خمسة عشر حلقة، لان الموضوع قد اشبع، ولم يعد من مجال الى تكرار المشاهد، التي تعيد تكرار المشاهد، التي لا تغني المسلسل، على العكس هي تجعلك تمل من التكرار الغير مبرر للمشاهد المتشابهة، فالزند عاصي مثلاً اشعر المشاهد بأنه رامبو الهيبة، تيم حسن، نجده في شخصية رامبونية جديدة، حيث يحل كل المشاكل من القرية الى الدولة العثمانية التي كانت أيلة الى السقوط. تميز مسلسل ” ابتسم ايها الجنرال” بان المشاهد لم يكن يستطيع ان يمل، بل على العكس بقي حتى الحلقة الأخيرة ليعرف كيف ومتى سيبتسم هذا الجنرال، الذي ابتليت به جمهورية الفرات.
مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” يمثل مأساة الشعب السوري الذي ابتلي بهذا النظام القاتل وبجنرال لا يبتسم، وقد ابدع بالدوار الرئيسي الممثل المبدع مكسيم خليل، الذي بقي متجهماً، غير مبتسم حتى الحلقة الأخيرة، حيث ينفحر بضحكة هستيرية تشير اتصفيات لاخيه، ولزوج اخته، وغيرهم من رموز قد ترمز الى الوجوه الباهتة للنظام. بالطبع لن استطيع الا ان اكتب، ولو ان شاهدتي مجروحة نحوه، كونه صديق شخصي لي، الا وهو الممثل والفنان المبدع عبد الحكيم قطيفان، الذي لعب دور رجل الأمن الذي بقى في الظل، ولكنه هويدير اللعبة من بعيد، لكي ينهي الصراع على السلطة لصالح الجنرال، الماريونة، الذي لا يبتسم الا وهو فرات.
نحن من مارسنا نوع من العمل السياسي، شهدنا صراعاً متواصلاً على السلطة، فمنذ وصول البعث الى السلطة، وما بعدها وما قبلها، كان العسكر والأجهزة الأمنية هي التي تصفي بعضها من أجل الوصول الى السلطة، ففرات ممكن ان يكون امين الحافظ، او حافظ الأسد، او عبد الكريم الجندي، او صلاح جديد او بشار الأسد. فالصراع على الجبنة، اي السلطة، يتم عبر لعبة الأجهزة الأمنية التي تلعب دوراً أساسيا لمن السلطة، والطبع الدور هو لحيدر، عبد الحكيم قطيفان، الذي احسن دور رجل الامن الظل الذي يحرك دون ان يتحرك، والذي يخضع له الجميع.
نجح سامر رضوان، كاتب المسلسل، والسيناريو، بأن يستشهد في بداية كل حلقة، بما ابدعه مكيافيلي في كتابه الامير، الذي تشير لما ستأول له الحلقة، وهي كلها تحوم حول الصراع على السلطة، ما بين عاصي وفرات، هنا ترك سامر رضوان لنا اختيار من يمثل من، ففرات قد يكون هو حافظ الأسد الذي استلم السلطة، بمؤامرات الأجهزة الأمنية، والعسكر، الذين اوصلوه الى السلطة. ولقد أراد حافظ الأسد ان يضمن ولاء الجيش، عن طريق تشكيل قوة رديفة، هي قوات سرايا الدفاع بقيادة أخيه رفعت الاسد، الذي قد يكون يقوم بالدور، وبشكل مبدع الممثل غطفان غنوم، وفي المسلسل هو العاصي، الذي تغول، الى درجة انفتاح شهيته الى السلطة، ليدخل في صراع على السلطة، مع اخيه فرات عبر لعبة الأجهزة الأمنية الذي يمثل دورها الأساسي حيدر، وهو الذي يستطيع ان يلعب الدور لصالح احدى الشخصيتين، ففرات قد يمثل حافظ الأسد، وقد يكون بشار الاسد، وعاصي قد يكون العم المقبور رفعت الأسد، وقد يكون أيضا ماهر الأسد، وقد تمييز كليهما بالرعونة والحماقة.
بالطبع نصل الى الدور الذي ابدع فيه الفنان مازن الناطور، الذي لعب دوراً أساسيا من خلال تحوله الى غول اقتصادي، ولكنه بقي خاضعاً لحيدر، الذي يسمح له بما يريد، ويمنع عنه ما يريد، فقوته الاقتصادية ليست من ذكاء محمد مخلوف او ابنه رامي، بل بلعبة الأجهزة الأمنية.
هنا لعب سامر رضوان بالإشارة الى ان كل ممن فرات او عاصي في صراعهما السلطوي يعتمدون على الخارج، ففرات يعتمد على الروس وحتى الإسرائيلي، وعاصي يعتمد على الاوربيين، وعلى رأسهم فرنسا، التي تنحني للعاصفة واستلام السلطة لصالح فرات.
ام الأدوار النسائية فتركزت على كل من الفنانة المبدعة ريم علي، التي هي في المسلسل، صوفي، وفي ارض الواقع هي أسماء الأسد، زوجة فرات وهي لعبة أيضا في يد حيدر يحركها كما يشاء لصالح فرات وضد عاصي. اما سامية او سوسن ارشيد فهي هوائية الحب، وهي تمثل دور بشرى الأسد اخت الرئيسين، والتي هي صراع الاخوة فهي انسانة تحب، وتعشق وتتزوج، ويضحي الاخوة فرات وعاصي، بعواطفها واختياراتها، ولعبة عزة البحرة دوراً رائعاًن قد يكون دور ناعسة، التي تمنع اقتتال الاخوة، حافظ ورفعت، او أنيسة مخلوف لتمنع الاخوة الأعداء، بشار وماهر من الاقتتال، ولكن يبقى اختيارات الأجهزة الأمنية هي التي تفوز وتختار الطرف الذي يرضي العدو الإسرائيلي.
المسلسل مليء بالرموز فمن هنا قلنا بانه يمثل الواقع السوري، بكل مرارته، واقع دفع الانسان السوري ثمن صراع السلطة من تقاتل الى التوريث.