سورية لنا وليس لآل الأسد”، “الشعب السوري واحد واحد واحد“، شعارات صادحة ترددت في أرجاء السويداء مع بداية احتجاجات أهل الكرامة. المحافظة، التي اجتمع فيها الكبار والصغار، الرجال والنساء، انطلقت بشعارات تنادي بتجديد الثورة السورية، بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة التي أثرت على كل فرد في سوريا، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. أعادت هذه الاحتجاجات الشعارات التي حملها السوريون خلال ثورة الربيع السوري قبل 13 عاماً، وانتقلت من السويداء إلى درعا، ومنها إلى باقي المحافظات السورية.
يحاول النظام وأبواقه تقزيم هذه التحركات على أنها مجرد احتجاجات اقتصادية من أجل لقمة العيش، لكن هذا التحليل لم يصمد طويلاً، خاصة بعد أن أعلن شيوخ العقل الدروز الثلاث تأييدهم للثورة. هذه الثورة الجديدة ليست مجرد حركة للمطالبة بالإصلاحات الاقتصادية، بل هي تجديد لروح الثورة السورية.
حتى الساحل السوري، الذي كان يُعتبر حصن النظام، لم يسلم من هذه التحركات. برزت حركة “الضباط العلويين الأحرار”، الذين أكدوا من خلال تحركهم على أن هناك داخل القوات المسلحة ضباطًا أحرارًا من الطائفة العلوية يدعمون حقوق الشعب السوري ويطالبون بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، الذي يدعو إلى التغيير الديمقراطي كحل سياسي للأزمة السورية. كما ظهرت حركات مثل “حركة 10 آب” و”حركة الشغيلة”، والتي رغم ترددها بسبب القبضة الأمنية، تشير إلى أن حراك الساحل لن يقل أهمية عن حراك الجبل، الذي قرر ألا يستكين إلا بسقوط النظام بالكامل وبناء دولة المواطنة.
سوريا ليست دولة فقيرة. منذ انقلاب 8 آذار 1963، والشعب السوري يعاني من سياسات الإفقار المتعمدة، التي تفاقمت مع الحركة “التصحيحية” التي أطلقت الفساد على مصراعيه، لتصل ذروته إلى القصر الجمهوري والعصابة العائلية المحيطة به. البلاد التي تمتلك النفط، الفوسفات، القمح، القطن، وغيرها من الموارد الطبيعية، كانت تستطيع أن تضمن حياة كريمة لجميع السوريين، لولا أن أموال هذه الثروات كانت تُنهب لصالح النظام والمقربين منه.
أدت سياسات النظام الفاسدة، التي سمحت للمرتزقة من إيرانيين وروس وغيرهم بالدخول إلى البلاد، إلى تدمير الاقتصاد السوري بشكل ممنهج. الإيرانيون استحوذوا على العتبات المقدسة وفتحوا الباب أمام التشييع في سوريا، في حين أخذ الروس الفوسفات والموانئ. وعندما نفدت موارد البلاد، ظهر إبراهيم رئيسي ليأخذ ما تبقى من ثروات سوريا، مثل مطار دمشق الدولي، مما أدى إلى انهيار الليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
كانت هذه الأزمات الاقتصادية القشة التي قصمت ظهر البعير، وأشعلت فتيل الثورة السورية من جديد، بدءًا من السويداء ودرعا، وامتدادًا إلى بقية المحافظات والمدن الكبرى مثل دمشق وحلب والرقة وحمص وحماة ودير الزور. هذه الثورة الجديدة لم تترك مجالًا للتفرقة بين مؤيد أو معارض، بل جمع الشعب السوري تحت شعار “الشعب السوري واحد واحد واحد”، و”سورية لنا وليس لآل الأسد”.
سيستمر الشعب السوري في نضاله حتى يبني دولته الوطنية الديمقراطية التي ينشدها كل الأحرار.