نشرنا منذ اسابيع المقالة التالية، كتبها المناضل منير درويش، الذي كان له دورا فعالا في تأسيس حزب العمال الثوري العربي، والذي ساهم في كل المنظمات ذات الطابع القومي العربي ، ومنها المؤتمر القومي العربي، حيث شارك في معظم دوراته ان لم نقل كلها. بالطبع شخصية كبيرة كالاستاذ منير، ولكونه عضوا في المؤتمر فمن حقه ان يطرح وجهة نظره. ولكن يبدو ان الاستاذ أحمد الكحلاوي لم يعجبه طلب التغيير هذا، حيث يستخدم عبارة كبيرة، لم تعد من لغة العصر، معتبرا بأن هناك “محنة الامة” وغيرها من الكلمات الرنانة. لذا رأينا اعادة نشر مقالة الاستاذ منير، مع رد الاستاذ الكحلاوي وجواب الاستاذ منير درويش عليه.
المحرر
هذه ليست المرة الأولى التي نتناول فيها المؤتمر القومي العربي والمشاكل التي يعانيها، لكن هذه المرة بدت الأمور مختلفة جداً، فبعد أن كانت الكتابة تتوجه نحو أليات عمل المؤتمر وعجزه عن التحول لمرجعية حقيقية للتيار القومي العربي، أصبحت الأمور أكثر سلبية عندما طالت جوهر أهداف المؤتمر وتوجهاته الديمقراطية التي سعى إليها مؤسسوه الأوائل كمدافع عن حقوق شعوب الوطن العربي في الحرية والديمقراطية، وبناء مؤسسة فكرية سياسية تحتضن هذه الأهداف وتعمل على التحرر من الاستبداد والديكتاتورية التي فرضتها الأنظمة ، والانطلاق نحو بناء مجتمعات وطنية ديمقراطية موحدة .
ومع انطلاق ثورات الربيع العربي، ووضع الاستحقاق الديمقراطي والمطالبة الشعبية به على المحك بغض النظرعن النتائج التي سيفرزها المستقبل لصالح هذا الاستحقاق أو ضده، فإن أعضاء المؤتمر انقسموا وفق هذه الثورات إلى المؤيد الذي وجد فيها ملامح أساسية تلامس أهداف المؤتمر وتوجهاته التي عمل من أجلها على مدى أكثر من عشرين عاماً . وبين من وجد في هذا الربيع صفة الارتهان لمؤامرة دولية ضد قوى (الممانعة والمقاومة) التي تعمل على مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، أو التشكيك بقدرتها على تحقيق الديمقراطية كهدف أساسي لها. ( انظر البيان الختامي الصادر عن أعمال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر 27 – 28 أيار 2011).
إن الأهداف الأساسية التي دعت لتأسيس المؤتمر وكما ذكرنا هي التعبير عن تطلعات شعوب الوطن العربي نحو الحرية والديمقراطية وبناء مجتمع متطور مواكب لتطورات العصر من خلال المشروع النهضوي الذي عمل لأجله، فضلاً عن كونه مؤسسة لتأطير القوى والشخصيات الوطنية والقومية التي تفصل بقوة بين التيار القومي الذي يسعى للحرية والديمقراطية وبين إدعاءات الأنظمة الدكتاتورية وأحزابها بأنها تمثله، ويؤسس لثقافة فكرية سياسية ديمقراطية منفتحة على جميع التيارات وخاصة التيارات الإسلامية التي تشكل مع التيار القومي جناحي الأمة التي لا يمكن الطيران بدونهما معاً على أساس التفاعل الديمقراطي الحر، وبذلك فقد شكل حاضنة لكثير من المثقفين العرب اللذين آمنوا بهذه التوجهات وعملوا لأجلها. إلا أن بعض أعضاء المؤتمر لم يستطيعوا أن يميزوا بين وعيهم كأعضاء في المؤتمر وبين تأييدهم لهذا النظام أو ذاك، خاصة وأن شروط العضوية أتاحت انضمام أعضاء من المؤيدين لهذه الأنظمة وأحزابها إلى عضويته، أو أن استضافة الدول لدورات انعقاده جعلت هذه الدول تدفع بمؤيدين لها بالانضمام إليه. هذه التركيبة المتناقضة ظهرت جلية وواضحة في المؤتمر العام لدعم (الثورات الشعبية العربية) 18 / 2 / 2011 الذي ضم المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية. بعد نجاح ثورتي تونس ومصر وانطلاق الاحتجاجات في البحرين واليمن وليبيا. حيث ظهرت خلافات حادة بين الجناح المؤيد والجناح المشكك، كل وفق الدولة التي انتمى إليها. لكن الخلافات بدت أكثر حدة عندما انعقدت الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر القومي العربي، 27 – 28 أيار 2011 . وكانت الاحتجاجات قد انطلقت في سورية أيضاً، وكادت الصدامات أن تودي بالمؤتمر عندما وقف البعض مؤيداً دون تحفظ للثورات بينما لم تخلو من التشكيك من قبل البعض الآخر فبدت مواقف هؤلاء متناقضة لتوجهات المؤتمر الأساسية وفرصته لدعم هذه الثورات تعبيراً عن مصداقيته في خدمة الديمقراطية .
إذا عدنا لجوهر القضية فإن الخلاف حول الالتزام بتوجهات المؤتمر لا يتم التقيد بها ويبدو ذلك واضحاً، حين يقبل أعضاء من المؤتمر بالمشاركة في مسؤوليات سياسية عليا، كوزراء أو محافظين وهذا ما حصل لأكثر من مرة، ويحصل الآن في البحرين مثلاً حيث تشغل إحدى عضوات المؤتمر وعضو أمانته العامة لعدة دورات منصب وزير في الحكومة التي رغم بعض الإصلاحات التي حققتها هذه الحكومة لإطالة المسكوت عنه، لكن هذه الحكومة هي جزء من النظام العربي التي لا تطبق الإصلاحات الديمقراطية، وتقمع المطالبين بها. كما أن بعض الأعضاء جاءوا أصلاً من رئاسة الوزارات دون أن يكون تركهم لها ناتج عن انشقاق عن السلطة بسبب ممارستها الديكتاتورية، بل بعد إعفائهم من منصبهم .
فإذا كان تعايش هذه الاختلافات ممكناً قبل انطلاق ثورات الربيع العربي إلا أن استمرارها لن يكون أبداً لصالح المؤتمر ولا يخدم مصداقيته.
في هذا الوضع السياسي العربي المعقد وفي الظروف المعقدة التي تحيط بالمؤتمر ويعاني منها ،وجه الأمين العام للمؤتمر دعوة لأعضائه لحضور انعقاد الدورة الثالثة والعشرين في تونس 4 – 6 حزيران 2012. إن انعقاد المؤتمر في هذه الظروف وبوجود تلك الاختلافات سيكون له تأثير سلبي ليس على المؤتمر وحده بل على مجمل التيار القومي فضلاً عن النتائج التي لن يكون أقلها تفجر المؤتمر وهو يعاني عزلة واضحة بسبب عدم الحسم في مواقفه من الربيع العربي .
لذلك نجد من الضروري تأجيل انعقاد دورة المؤتمر ريثما تصبح الأمور أكثر ملاءمة ويصبح الجو مهيأ لعقد دورة تكون أكثر هدوءاً أو أقل توتراً.
دمشق 19 / 5 / 2012
رد الأستاذ أحمد الكحلاوي ننشره بلا تعليق من قبل المحرر
حضرة الأستاذ منير درويش المحترم
ليس بالغياب وبسياسة المقاطعة العقيمة وفي هذا الظرف العصيب ننهض بأمتنا ونحمي مقاومتنا فتعالوا الى تونس ستجدون من شعبها ومن مناضليها كل الدعم والمحبة والإيمان القومي الصادق والعميق.
-1 من المفروض أنه عند الملمات الكبرى التي تلم بالأمة يسارع مفكروها ومناضلوها إلى اللقاء والتشاور حول الأحداث الجسيمة الجارية وتقديم الحلول بما يخدم مصالحها ويحقق لها ما تيسر من أهدافها ويفوت على أعدائها فرص إلحاق مزبد الضرر بها.
إن الغياب ومقاطعة الدورة (23)للمؤتمر القومي بتونس بذريعة “عدم التشاور حول زمان ومكان اللقاء” موقف مهزوز يهمش التركيز على محنة الأمة الراهنة ويفتعل “قضية”مكان وزمان انعقاد المؤتمر هذا ما فهمناه على كل حال من رسالة الإخوة الصادرة من دمشق والموجهة الى الأمين العام إننا نرى أنه علاوة على كون انعقاد المؤتمر القومي المقرر في تونس أيام 4-6 جوان يأتي من الناحية القانونية في موعده ونعتقد أنه يجوز لنا أن نسأل النخبة في أمتنا وبالخصوص المترددين منها أننا إذا لم نجتمع الآن والأمة في ذروة محنتها فهذه سورية مهددة بالمؤامرة الدولية كما الأمر بالنسبة الى لبنان وهذه القدس تهود والأقصى في مرمى التهديم وهذه مصر كما العراق والسودان وكما المغرب العربي مطوقة ومهددة كياناتها بمخاطر “الفدرلة” والتقسيم والطائفية وإذا لم يجتمع قادة الفكر والمقاومة في الوطن العربي في زمن اشتداد حملات التدخل الأجنبية وفي هذا الوقت المصيري من تاريخنا العربي المعاصر لمحاولة التأثير في الأحداث وتحريض الأمة وقواها المناضلة على التوحد لطرد الأجنبي من هذا القطر وفضح أي التقاء معه ضد مصالح الأمة والتشهير بالعملاء والمرتزقة ورأب الصدع في ذلك القطر الآخر وجعل ما تيسر من “حصاد” الانتفاضات الشعبية السلمية في أقطار أخرى يحقق مطالبها في الكرامة والحرية وتحرير فلسطين ويحول ميزان القوى الى جانبها في صراعها ضد أعدائها الإمبرياليتين والصهاينة و ضد أعوانهم المحليين فمتى تتنادى النخبة إذا لتتحمل مسؤولياتها القومية ومتى يجتمع المؤتمر القومي إذا لم يكن ذلك الآن؟
وللتذكير فقط ، فقد اجتمع المؤتمر القومي ببغداد يوم كان العراق يمر بأشد محنة في تاريخه المعاصر كما انعقد المؤتمر القومي في بيروت يوم كان لبنان يخوض أعتى صراع له ضد الكيان الصهيوني وكانت مبادرات المؤتمر تلك سياسة صائبة يتوجب كما نعتقد الاستمرار في اعتمادها إلخ ..
-2 أما بخصوص اختيار تونس مكانا لعقد الدورة 23 للمؤتمر فإننا نذكر بأن تونس وكما يعلم الجميع بلد عربي شهد عقد أول دورات المؤتمر القومي سنة 1990 في عهد المتصهين “بن على” ويعلم الجميع أن بتونس شعبا مناضلا تسلح على الدوام بإرادة صلبة دافع بقوة عن انتمائه القومي وعن هويته العربية والإسلامية وقدم في سبيل ذلك اجل التضحيات خلال حقبة الاجتثاث والصهينة الأولى في عهد”بورقيبة” وحقبة الاجتثاث والصهينة الثانية في عهد “بن علي” وكان شعبها دوما حاضرا فعليا في الملمات الكبرى التي مرت بها الأمة وذلك منذ رحلة الزعيم “عبد العزيز الثعالبي” الى فلسطين وإقامته بداية الثلاثينات في حي المغاربة بمدينة القدس التي ترأس فيها أول مؤتمر للدفاع عن فلسطين (1931) وأن شبابها وقف دائما الى جانب ثورة فلسطين باعتبارها القضية المركزية والطريق الى التحرر والوحدة وقدم التونسيون مئات الشهداء في معارك الأمة التي خاضتها ضد أعدائها.
-3 لذلك نقول للإخوة المترددين في القدوم الى تونس والمشاركة في الدورة 23 للمؤتمر القومي الذين تحججوا بذرائع ومبررات غير مقنعة :
* – أن انعقاد المؤتمر في تونس يمثل تحية لشعبها على صموده ومبادرته بالانتفاضة السلمية التي أطاحت بحكم عميل متصهين وفاسد كما يمثل دعما للقوى العروبية في نضالها القومي.
*- أن التونسيين من هذا الشعب انتفضوا في وجه ما سمي بـ”مؤتمر أصدقاء سورية” الذي حاول أعداء سورية والأمة عقده في تونس برعاية أقطاب السلطة فأفشلوه وقدموا نموذجا حيا للممانعة شاهده كل العالم كان هدفه الدفاع عن سورية وعن خط الصمود والمقاومة.
*- أننا ننتظر من إخواننا من كل الأقطار العربية القدوم الى تونس والمشاركة في أعمال الدورة 23 للمؤتمر القومي وطرح المضامين القومية المناضلة التي يمكن أن تفعل دوره بفضل ما يزخر به هذا المؤتمر من هامات مناضلة وطاقات مبدعة وتحوله الى قوة تدافع عن الأمة وتحمي المقاومة وتناهض المؤامرات والتدخلات الأجنبية وتفضح التواطئ الداخلي وتدعم الانتفاضات الشعبية السلمية .
*- إن عدم المشاركة في الدورة 23 للمؤتمر أمر سيلقى ترحيب المعادين للأمة وللتيار القومي، لسورية ولخط المقاومة وسيفرح هؤلاء لاستمرار فرقة القوميين فإذا لم يوحدنا استنهاض الأمة للدفاع عن قضاياها المصيرية وإذا لم نلتق للدفاع عن مصادر الصمود وفصائل المقاومة فمتى نلتق إذا ومتى نكون مناضلين قوميين؟.
تونس في 28-05-2012
أحمد الكحلاوي
عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي
رد الاستاذ منير درويش على الاستاذ أحمد الكحلاوي
الأخ الأستاذ أحمد الكحلاوي المحترم
تحية
يؤسفني أن أتلقى منك كعضو في المؤتمر القومي العربي وعضو في أمانته العامة تلك الرسالة التي أقل ما يقال فيها أنها تخلو من الروح الديمقراطية ومنطق الخطابة الحوارية أو وعي لأهداف المؤتمر التي تتيح للعضو أن يطرح ويقترح ما يشاء دون أن يوصف هذا الموقف ( بالمهزوز ) أو أنه ( يهمش التركيز على محنة الأمة ) التي كان مثل هذا الأسلوب الذي اعتمدته في رسالتك أحد أبرز العوامل التي همشت هذه المحنة وتهربت من مواجهتها بل أنها صبت على الدوام في مصلحة الأنظمة الاستبدادية ، الديكتاتورية التي ادعت على الدوام ومعها الكثير من الأفراد والأحزاب والهيئات أنها المدافع عن مصالح هذه الأمة حتى أوصلتها إلى ما هي عليه اليوم .
إن رؤيتنا حول اقتراح تأجيل المؤتمر وبغض النظر عن موقفك الانفعالي المفتقد لأصول الحوار لم تكن مهزوزة بل رؤية تنطلق أصبنا أو أخطأنا ، من حرص على استمرار هذا التشكيل القومي متماسكاً في ظروف يعاني التيار القومي فيها حالة من التشتت بسبب ما فرضته عليه الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية ومن معها من المؤيدين والموالين . وإن كنا ننتظر من الأمين العام الذي وجهت له الرسالة أن يرد عليها أو يعطي وجهة نظر حولها ،
لسنا بحاجة لمن يذكرنا بنضال الشعب التونسي ليس في المعارك القومية فقط بل في معركة الديمقراطية ضد الاستبداد أحدى أهم أهداف المؤتمر القومي وكان أول من فجر هذه المعركة وانتصر فيها وكنا أول من حيا ثورته وثورات الربيع العربي الأخرى وساندها لأنها صلب توجهات المؤتمر وأهدافه ، ولا أعتقد أن الشعب التونسي كان مرتاحاً لعقد الدورة الأولى للمؤتمر عام 1990 في ظل حكم الطاغية بن على وبموافقته على أرض تونس لولا دعمه لأهداف المؤتمر الديمقراطية والقومية في مواجهة هذا الطاغية ومن على شاكلته ، وسعيه لنجاح هذه الأهداف . وإذا كان مؤتمر أصدقاء سورية قد انعقد في تونس وبموافقة أقطاب السلطة وفق البند الثالث من رسالتك ، أليس نفس هؤلاء الأقطاب هم الذين وافقوا على عقد المؤتمر القومي أيضاً على أرض تونس، أم أن انعقاد المؤتمر تم رغماً عنهم ؟ .
كما أننا لسنا بحاجة لمن يلقي علينا دروساً في الوطنية والقومية التي تشكل الأساس في أي منهج فكري وسياسي لنا فعلاً لا قولاً .
إن شعار الصمود والمقاومة الذي صار لنا أكثر من ستين عاماً نصرخ من اجله لن يتحقق إلا بالاستعداد للعمل من أجله بالاعتماد على قوى الأمة وإمكانيتها الفعلية ،لا بالشعارات التي كانت الأنظمة سباقة لها
وكي لا أطيل عليك ‘ سأرفق لك مقالتي التي نشرتها قبيل انعقاد المؤتمر وتحمل موقفي الشخصي والواضح من الأسباب التي دفعتني للموافقة على اقتراح تأجيل انعقاد المؤتمر والتي أرى فيها ، أن التمسك بأهداف المؤتمر فعلا لا قولاً التي أتمنى أن يكون لديك الوقت للاطلاع عليها ،هو الذي يحمي الأمة ويعزز صمودها ومكانتها ، وليس الكلام والخطابة التي لا زلنا نمارسها في المناسبات .
مع تقديري
منير درويش
عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي
دمشق في 5 / 6 / 2012