أفرزت نتائج الانتخابات العراقية التي جرت في أوائل أيار 2014 كنموذج للانتخابات في جميع المجتمعات العربية،حجم التردي في القيم والمفاهيم التي وصلت إليها أوضاع المجتمعات العربية ودولها .
فالقوائم التي فازت في الانتخابات تمثل القوى والتيارات الدينية والطائفية والعشائرية والعرقية والسلفية المتطرفة ، بينما غابت القوى المدنية والديمقراطية غياباً شبه تام عن المشهد الانتخابي ولم تحصل إلا على عدد من المقاعد يقل عن أصابع اليد الواحدة من أصل أكثر من 320 مقعداً، وهذه ليست حالة عراقية فقط بل حالة عربية تشمل كل المجتمعات العربية رغم أنه لا يعول عليها في السياسة او الحكم طالما أن هناك قوى خفية هي التي تدير دفة السياسة. إن ما يحصل في اليمن (السعيد) وسورية التي تشهد منذ أكثر من ثلاث سنوات حرباً مجنونة دمرت كل شيء، ولبنان الذي عانى من حرب طائفية استمرت 15 عاماً ولا زالت رموزه الطائفية هي التي تدير دفة السياسة ، وتونس وليبيا التي تتصارع فيها القوى الدينية والعسكر والجزائر التي تدار فيها السلطة من على كرسي متحرك وأيدي مشلولة، ومصر التي يعود إليها حكم العسكر بغطاء (ديمقراطي) بعد أن استطاعت ثورة 25 يناير من إسقاط حكم الاستبداد، رغم أن الشعب المصري يدرك مدى فشل العسكر في حل مشاكل مصر المعقدة، ناهيك عن دول النفط ومن يسير بركبهم. كل هذا يدل على انهذه الظاهرة تشير إلى أن المجتمعات العربية تمر بمرحلة تتجاوز بها مرحلة الانحطاط التي وقعت بها (الدولة العربية) عندما عاثت بها القوى الشعوبية والمذهبية والطائفية وقوى الانحطاط جهالة وفساداً وقسمتها إلى تجمعات تمثل هذه القوى .
ومن المؤسف أن الذين يتبنون هذا الانحطاط ويدافعون عنه هم المثقفين والسياسيين الذين ادعوا يوماً أنهم حاملي المشروع النهضوي العربي ورافعته نحو التطور والتقدم، هؤلاء المثقفين الذين كانوا يوماً بقواهم وأحزابهم يروجون بأفكارهم وبرامجهم للسلطة الاستبدادية الحاكمة والتفوا حولها وبرروا استبدادها أو تبنوا منهجها وكانوا يدعون أنهم امتلكوا الشرعية السياسية والشعبية فعاقبهم الشعب بأن هجرهم .
لقد وضعت السياسيات العربية وفق هذه السياسة بين خياري سلطة الاستبداد العسكرية وسلطة الاستبداد الدينية والطائفية بينما غابت القوى الوطنية والديمقراطية فأجهضت كل المحاولات التي بذلت للنهوض والتقدم .
إن القوى المدنية والديمقراطية التي تؤمن بهذه القيم وتستوعبها عليها أن تعيد النظر بكل برامجها السابقة وتوحد قواها حول برنامج وطني ديمقراطي يعزز هذه المفاهيم بعد أن تتخلى عن سياسة الاستقصاء ومصادرة الرأي الآخر والعمل على بناء وعي مطابق لحاجات الواقع عبر الحوار في الشارع الذي يجب أن يكون الميدان الوحيد لكسب الشرعية السياسية والشعبية وبعيداً عن الإيديولوجيات الرمادية التي أسست للاستبداد بكل أشكاله .