برأيي العوامل الرئيسية المتبادلة التأثير التي أدت لعدم انتصار الثورة حتى الآن هي ثلاث: تماسك النظام، ضعف الدعم الدولي للثورة، وليس انعدامه كما يدعي البعض، وتشتت قوى الثورة والمعارضة.
جبهة النظام حافظت على حد أدني من التماسك بحكم عوامل عديدة منها دعم دولي من دولة كبرى، روسيا، ومن دولة إقليمية بإمكانيات كبيرة، إيران والمنظمات التابعة لها، دعما عسكريا واقتصاديا وبشريا واستراتيجيا يفوق بكثير من حيث الفعالية ما تلقته الثورة من اصدقائها الدوليين. بالإضافة للحمة شبه طائفية اعتمد عليها النظام لضمان عدم تفتت قواه، والنجاح بوسائل مخابراتية بحقن الثورة بمنظمات إرهابية، او إتاحة الفرصة لها للالتحاق بالقوى العسكرية للثورة، لتعمل على حرفها عن أهدافها في الحرية والكرامة وإقامة نظام ديمقراطي بديل، مما اظهر النظام لدى أطراف تتزايد باستمرار داخليا وخارجيا، انه بديل أقل سوءاً من القادم المفترض. اما عن ضعف الدعم الدولي للثورة فقد ساهم في إطالة الصراع وتحوله الى نوع من حرب أهلية لن يجازف أحد بالغرق في مستنقعاتها، فضلا عن انه أتى من مصادر مختلفة تتعامل مع أطراف متعددة داخل الثورة مما يزيد في تشتتها ويضعف مواجهتها للتحكم الخارجي.
جبهة النظام والدعم الدولي للثورة عاملان لا يمكن احداث تغيير فيهما دون إجراء تعديلات جذرية في صف الثورة وجبهتها، تبدأ من المسألة المركزية التي لم يتم إيجاد الحلول المناسبة لها رغم مرور ثلاث سنوات، وهي وحدة القيادة السياسية للثورة التي تتبعها قيادة وقوى عسكرية موحدة تلتزم بما تضعه القيادة السياسية من خطط ومناهج وقرارات وتعليمات. من الواضح ان اهم أسباب بقاء النظام حتى الآن حفاظه على وحدة قواه وعملها ضمن استراتيجية موحدة رغم بعض الانشقاقات، فيما أصبح واضحا ايضاً أن أهم أسباب عدم تمكن الثورة من الانتصار هو تشتتها في القيادة والقوى والأهداف والخطة.
لتجاوز ذلك نرى التالي كجزء من حلول عديدة:
– توحيد القيادة السياسية للثورة ضمن الائتلاف الوطني، الهيئة التي وان لم تضم كل المعارضين والثوار الا انها تضم النسبة الأكبر منهم وتحظى باعتراف عربي ودولي واسع وتمتلك الحد الأدنى من الهياكل التي يمكن في حال إصلاحها ان تشكل اطارا مناسبا لتوحيد جميع الجهود، مما يتطلب الكف عن التفريخ وتشكيل تجمعات معارضة منافسة للائتلاف، والدعوة لمؤتمرات تضارب عليه.
– التأكيد على وحدة الهدف الرئيسي للثورة الجامع لكافة القوى السياسية والعسكرية: نيل الحرية والكرامة للشعب السوري بإسقاط النظام الاستبدادي والتخلص من عصاباته المنفلتة وإقامة نظام ديمقراطي بديل يعيد السيادة المنتهكة من قبل الطغمة لأصحابها الحقيقيين، الشعب السوري بكافة مكوناته الدينية والاجتماعية والاثنية والسياسية. إذ لا يكفي ابدا التوحد حول هدف اسقاط النظام، فلا بد من التوافق على البديل في خطوطه العامة كنظام ديمقراطي، وكل من لا يوافق على مثل هذا الهدف هو خارج الثورة حتى لو كان يعمل لإسقاط النظام، خاصة المنظمات الإسلامية التي تسعى لدولة لا سيادة فيها للشعب بل لرجال يدعون العلم بتطبيق الشريعة يفسرونها كما يشاؤون، مما يتناقض مع هدف الثورة في إعادة السلطة للشعب، وهذا لا يعني تحول الصدام الرئيسي مع هذه القوى، فيمكن التنسيق معها لمرحلة ما طالما لم تنحرف الى قوة مضادة للثورة كما حدث مع داعش كمثال. وشرط انضمامها لأي قيادة سياسية مشتركة قبولها بالديمقراطية كطريقة وحيدة لحسم الاختلافات الأيديولوجية والسياسية في الدولة القادمة.
– الكف عن تخوين المخالفين في الرأي ضمن صفوف الثورة وعن الاتهامات الموجهة بالفساد لقياديين في الثورة غير مثبتة بأدلة ملموسة، وتقديم نموذج بديل للنظام الحالي، لا يماثله في توحشه تقدمه تنظيمات عسكرية عديدة، ومحاسبة كل من يخرج عن مبادئ الثورة وخاصة في المجال العسكري حيث انتشرت اعمال السرقة والنهب والخطف من اجل فدية او الاعتقال والتعذيب لمواطنين مهما كانت آرائهم السياسية، وحتى اعدامات فردية وجماعية دون محاكمات وقتل للأسرى وغير ذلك من الاعمال المشينة، التي ان لم يمكن تجنبها فان التغاضي عنها تشويه لسمعة الثورة وإضعاف لالتفاف حاضنتها الشعبية حولها، التي خسارتها تعني حكما هزيمة الثورة.
المحاسبة من خلال أجهزة قضائية يحال اليها كل مخالف وتنفذ احكامها على الجميع دون استثناء ولها اداتها التنفيذية، كنيابة عامة وشرطة عسكرية تلاحق المطلوبين وتقدمهم للمحاكم الثورية. وهو ما يتطلب أيضا تنمية الحس الثوري في صفوف مسلحي الثورة بأنهم ليسوا سوى جهاز مقاتل لنظام الاستبداد وحامي للشعب من بطش النظام، في خدمته وليس فوقه، بعد ان انتشرت خيلاء يعززها حمل السلاح بان السياسة تنبع من فوهة البندقية وهو مآل يدمر الثورة ويحول مسلحيها لعصابات تظن ان بندقيتها هي الحكم، لا تكترث بمصلحة الشعب والبلد، فما يهمها مصالحها كأفراد ومجموعات.
– عدم اليأس من إمكانية حل سياسي يوقف الكارثة التي تلم بالسوريين بتقديم مصلحة البلد والشعب من خلال حلول وسط توقف الكارثة وتضع سوريا على سكة حل انتقالي يرحل النظام ويتقدم بالتدريج نحو نظام ديمقراطي يطمح اليه الشعب السوري. فرغم الجهود الدولية المتعثرة في جنيف 2 ومجلس الامن، يمكن الاستفادة من الدعم الدولي الذي قد يتطور مستقبلا مما يفترض كف بعض النخب عن التركيز على ما تسميه ” القرار الوطني المستقل” المبالغ به بحيث يحرم الاستفادة بمبررات لا تمت الى الواقع بصلة. علما ان النظام أضاع فرصة مؤتمر جنيف للحل السياسي الوسطي الذي ينجي قياداته من التصفية كما حدث في ليبيا، رافضا الحل “على الطريقة اليمنية” ظانا ان بعض التقدم عسكريا في مناطق محدودة سينجيه من مصيره النهائي المحتوم والقادم مهما طال الزمن، إذا استطاعت قوى الثورة ان تقوم بالمراجعة والتصحيح.