في الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب، برز دور صاحب تويتر (الذي غيّر اسمه إلى X)، وصاحب سيارات تيسلا، ورجل الأعمال الجديد “المليونير المستحدث” Nouveau Riche، إيلون ماسك. ظهر ماسك كظل للرئيس السابق المرشح، وكلاهما يتصرفان كمهرجين أمام الجمهور الذي يبدو أنه يستمتع بعروضهم. أضيف إلى ذلك ما أثير عن شراء أصوات الناخبين عبر ما يُسمى بـ”اليانصيب اليومي” الذي أطلقه ماسك بقيمة مليون دولار، مما يمكن اعتباره رشوة انتخابية.
عندما اعترضت القوى الديمقراطية على هذه الخطوة أمام القضاء، انحاز القاضي – المعين من قبل دونالد ترامب – لصالح هذه الممارسات، ربما طمعاً في الترقية إلى مناصب قضائية أعلى في حال فوز ترامب بالرئاسة.
نجح ترامب، مدعوماً بالحزب الجمهوري و”رئيس الظل” إيلون ماسك، في العودة إلى الواجهة. وهنا ظهرت ملامح “مكارثية جديدة”، حيث تكشّفت أسماء مرشحي المناصب العليا في الإدارة الأمريكية الجديدة. لم تبرز أي شخصية قوية ضمن هذه الأسماء، بل كان جميعهم دمى بيد ماسك أو بيد الرئيس المنتخب، ينفذون ما يمكن وصفه بـ”المكارثية المستحدثة”.
المكارثية: ماضٍ يعيد نفسه
للتذكير، في مطلع خمسينيات القرن الماضي، برز السيناتور جوزيف مكارثي الذي قاد حملة شعواء ضد الفكر الحر تحت ذريعة محاربة الشيوعية. استهدفت حملاته العديد من المثقفين والفنانين والمفكرين الديمقراطيين، بما في ذلك صُنّاع السينما مثل السيناريست والمخرجين والممثلين، وغيرهم.
يُذكر أن مكارثي، الذي انتقل من الحزب الديمقراطي إلى الجمهوري بعد الحرب العالمية الثانية، شنّ حملة شعواء ضد الشيوعية مدعوماً بالحزب الجمهوري. ومن الجدير بالذكر أن الممثل الفاشل رونالد ريغان كان مخبراً لدى لجنة مكارثي، حيث ساهم في استهداف كل ممثل أو فنان ديمقراطي.
إلا أن الإعلام كان القوة التي أسقطت مكارثي. فقد تلقى ضربة قاضية من الصحافي الإذاعي الرائد إدوارد آر مورو، الذي فضح أساليبه غير الأخلاقية في بثّ تاريخي عام 1954.
ترامب والمكارثية الحديثة
في حملته الأخيرة، انتهج ترامب نفس أسلوب مكارثي في الهجوم على خصومه، كما فعل ضد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، حيث وصفها بأنها “ماركسية” وهاجمها بأكاذيب لا أساس لها من الصحة، خصوصاً عند دفاعها عن حقوق المرأة والأقليات والطبقات المتوسطة.
مع ذلك، لم يدرك الكثيرون من أصحاب المصلحة في هذه الطبقات أهمية التصويت ضد ترامب وضد سياساته التي لا تخدمهم. حتى الجالية العربية الأمريكية انقسمت، واختار جزء كبير منها ترامب كرد فعل وليس بفعل واعٍ.
دور ماسك في الإدارة الجديدة
اليوم، يطرح ترامب تكليف إيلون ماسك بملف “تطهير الإدارات الأمريكية”، مما يعني أن ماسك قد يؤدي دور مكارثي الجديد في الإدارة، ويُعيّن دمى تنفذ أوامر ترامب عوضاً عن خدمة المصلحة العامة.
ومع ذلك، تلقى ترامب ضربتين قبل استلامه زمام الحكم. الأولى كانت انتخاب السيناتور جون راندولف ثون كقائد للأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وهو شخص معارض لتفكير ترامب. والثانية كانت رفض مرشحه لمنصب النائب العام الفيدرالي بسبب سوء سلوكه الأخلاقي، مما أجبره على سحب ترشيحه.
المصير المشترك: سقوط المكارثيين الجدد
على غرار مكارثي القديم، فإن المكارثيين الجدد – من ماسك إلى ترامب – يواجهون مصيراً مشابهاً. الإعلام الحر سيظل السلاح الأقوى في إسقاطهم، حتى وإن حاول ماسك شراء المنصات الإعلامية أو تهديدها.
نأمل أن يأتي اليوم الذي يسقط فيه هؤلاء المكارثيون الجدد، وأن يثبت الإعلام الحر مرة أخرى قدرته على مواجهة القمع والاستبداد.