بداية القصة
في عام 1969، وُقّعت اتفاقية القاهرة التي أعطت الشرعية لوجود السلاح الفلسطيني في المخيمات اللبنانية، وهو ما شكّل بداية تحدٍ كبير للسيادة اللبنانية. الاتفاقية التي جاءت تحت ضغط إقليمي ودولي أدت إلى تقليص قدرة الدولة اللبنانية على فرض سلطتها داخل أراضيها، مما جعل لبنان يدفع ثمناً باهظاً لهذه الترتيبات.
من أيلول الأسود إلى الحرب الأهلية
بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970، التي شهدت طرد المنظمات العسكرية الفلسطينية من الأردن، وجد المقاتلون الفلسطينيون ملاذًا جديدًا في لبنان. جاء ذلك بعد رفض حافظ الأسد استقبال هذه المنظمات، ليصبح لبنان ساحة بديلة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وجود السلاح الفلسطيني في لبنان كان أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحرب الأهلية عام 1975، حيث اختلطت الأجندات السياسية والطائفية مع التدخلات الإقليمية، مما أدخل البلاد في دوامة من العنف المستمر.
اجتياح إسرائيلي وانتقاص للسيادة
لم يقف الأمر عند الحرب الأهلية، بل شهد لبنان اجتياحاً إسرائيلياً عام 1982، أدى إلى احتلال أجزاء واسعة من الجنوب وظهور الشريط الحدودي الجنوبي الذي دعمته إسرائيل من خلال جيش لحد. هذا الاحتلال شكّل جرحًا آخر في سيادة لبنان وأدى إلى مزيد من الانقسامات الداخلية.
الثورة الإيرانية وحزب الله
مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، دخل لبنان مرحلة جديدة من التعقيد. برز حزب الله كقوة عسكرية وسياسية مدعومة من إيران، مما غير قواعد اللعبة داخل البلاد. الحزب الذي أزاح المنظمات الفلسطينية المسلحة عن الساحة اللبنانية، أصبح صاحب القرار في العديد من القضايا الداخلية والخارجية، متسببًا في إدخال لبنان في حروب إقليمية، أبرزها التدخل في سوريا، والذي تم دون إجماع وطني.
ثمن الحروب.. من يدفع الفاتورة؟
تسبب تدخل حزب الله في حروب المنطقة في خسائر فادحة للبنان على كل المستويات. الطائفة الشيعية، التي يدعي الحزب تمثيلها، كانت من أكثر المتضررين، حيث صودرت إرادتها السياسية لصالح أجندات خارجية. من جهة أخرى، دفع لبنان ككل، بمختلف طوائفه، فاتورة اقتصادية وسياسية واجتماعية باهظة لهذه الحروب التي أنهكت البلاد.
الأراضي المحتلة ومزارع شبعا
مع قيام دولة إسرائيل، خسر لبنان وسوريا أراضي استراتيجية، منها مزارع شبعا التي لا تزال محل نزاع. وبينما يدّعي لبنان ملكيته لهذه الأراضي، لم تقدم سوريا حتى اليوم الخرائط التي تثبت ذلك، مما يضيف تعقيدًا آخر للمشهد.
لبنان واللاجئون الفلسطينيون
على الرغم من كل هذه التحديات، ظل لبنان ملاذاً مهماً للاجئين الفلسطينيين على مر العقود. إلا أن هذا اللجوء أضاف عبئاً جديدًا على موارده المحدودة، وخلق أزمات اجتماعية واقتصادية كان لها تأثير طويل الأمد على استقرار البلاد.
خاتمة: هل يدفع لبنان دائماً الثمن؟
منذ بروز القضية الفلسطينية، ولبنان يتحمل أعباء تفوق طاقته. من الحرب الأهلية إلى الاحتلال الإسرائيلي، ومن التدخلات الإقليمية إلى الأزمات الاقتصادية، ظل لبنان يدفع ثمن موقعه الجغرافي وتركيبته الطائفية المعقدة. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يمكن للبنان أن يستعيد سيادته الكاملة ويخرج من دائرة الصراعات التي أرهقته لعقود؟