قبل نهاية الشهر المنصرم، أعلنت الإدارة الأمريكية، ممثلة برئيسها جو بايدن، عن مقتل أيمن الظواهري بصاروخ دقيق أدى إلى مقتله. وقد تضاربت الأنباء حول كيفية مقتله، لكنه قد قتل والسلام. قبله قُتل ابن لادن، وقاسم سليماني، والبغدادي؛ فهل انتهى الإرهاب “القاعدي” و”الداعشي” و”الحشدي”؟ هنا السؤال: هل انتهى الإرهاب الإسلاموي؟ قطعاً لا.
علينا أن نحدد ماهية الإرهاب، فهو ليس محصوراً بالإسلامويين، بل يتعداهم إلى كل من اعتدى على المدنيين مثل طغاة الأرض كافة. ومن هنا، يدخل في هذه الخانة العديد من القادة السياسيين، وهم غالباً رؤساء العالم المتأخر، وأحياناً بعض رؤساء العالم الغارق في الديمقراطية.
عبر التاريخ، سواء القديم أو الحديث، شهد العالم العديد من القادة الإرهابيين، صغاراً كانوا أم كباراً. قد يسعدنا مقتل أحدهم أو الآخر، وذلك حسب ميولنا السياسية وأحياناً الاجتماعية. لكن هل بانتهاء القادة الإرهابيين ينتهي الإرهاب؟
جواباً على ذلك، علينا القول إن مقتل القادة الإرهابيين من أي تيار ينتمون إليه لا ينهي الإرهاب، لأن الإرهاب هو بالدرجة الأولى والأخيرة فكرٌ متوارث. وقد يتغلغل هذا التوارث إلى درجة يظهر معها فجأة من خلال حدث ما. إن سماع خبر أي عملية إرهابية قد يفرحنا إذا كنا نحمل جرثومة الفكر الإرهابي نفسه، وقد يزعجنا إن كنا ضده، والعكس صحيح.
منطقتنا الشرق أوسطية كانت مرتعاً خصباً للإرهاب؛ فقد شهدت فلسطين المحتلة، ومنذ سنوات عديدة تزامنت مع قيام الدولة العبرية، العديد من العمليات الإرهابية الصهيونية. وإذا أردنا محاسبتها بعمق، نجد أنها تستند إلى الفكر الصهيوني، الذي لا يقتصر فقط على فكر هرتزل، بل يتعمق أكثر في الفكر اليهودي المتطرف عبر القرون. بالطبع، كان هناك أيضاً إرهاب عربي، جاء كرد فعل على الإرهاب الصهيوني، ولا يزال قائماً.
في السنوات الماضية، شهدنا الإرهاب “القاعدي” أولاً، ثم “الداعشي” ثانياً، و”الحشدي” ثالثاً، وليس أخيراً. وقد استند هذا الإرهاب على فكر ابن تيمية وعبد الله عزام وسيد قطب وغيرهم من الكتّاب الإسلامويين الذين غسلوا العديد من العقول. ما ابن لادن، والظواهري، وحركات الإخوان المسلمين وأتباعهم إلا نتاج هذا الفكر. لم يميز هؤلاء الإرهابيون بين ضحاياهم، فكانت النتيجة مقتل العديد من المدنيين، معظمهم من الأطفال والشيوخ. ولن ندخل في التفاصيل والأمثلة لأنها كثيرة، وقد تميز هؤلاء الإرهابيون بالانتماء إلى الفكر “السنّي” المتطرف.
بعد سقوط صدام حسين، الذي كان هو وحافظ الأسد وابنه بشار، وكذلك القذافي وحسني مبارك، نماذج ممتازة لدول إرهابية، برزت المقابر الجماعية في العراق وسوريا كأمثلة على إرهاب هؤلاء الطغاة. وشهد العراق، وتلاه سوريا، موجات من الأعمال الإرهابية المستندة إلى الفكر القومي البعثي، الذي ثبت أنه فكر داعشي بلباس قومي. ونتيجة ردود الفعل في العراق، برز الإرهاب “الشيعي” ممثلاً بالأحزاب الدينية وقواها المسلحة “الحشدية”، التي نفذت ولا تزال تنفذ العديد من الأعمال الإرهابية، مستندة إلى حدث وقع منذ حوالي 1400 سنة، وهو مقتل الحسين بن علي في كربلاء، الذي حُوِّل إلى أيديولوجية شيعية. وقد شهدنا أثر هذا الإرهاب في العراق وسوريا ولبنان، حيث كان هذا الإرهاب بشقيه الداعشي أو الحشدي، يضرب هنا بقوة ويرتخي هناك حسب المنطقة وتشكيلتها السكانية.
وإن كنا تحدثنا عن الإرهاب الصهيوني، و”السنّي”، و”الشيعي”، فلا بد من الحديث أيضاً عن الفكر “المسيحي” المتطرف. وقد يغضب مني الكثيرون كوني مسيحياً، لكن هذا الفكر انتشر في القرون الوسطى، مع ظهور الفكر “الإيزابيلاوي” الذي وجد متخفياً هنا أو هناك. وسنتذكر ما شهدته منطقتنا من الإرهاب المسيحي الذي استند إلى هذا الفكر المتوارث عبر القرون، المناقض للفكر المسيحي الحقيقي المستند إلى المحبة والتسامح، والذي حل مكانه الحقد والغضب. لا أستطيع أن أسامح أي لبناني، مهما كانت طائفته، إن ارتكب جرائم إرهابية. وسأعطي مثالاً على جرائم إرهابية مثل صبرا وشاتيلا، والدامور، وتل الزعتر، وغيرها من الجرائم.
نختتم لنقول إن مقتل هذا القائد الإرهابي أو ذاك لن ينهي إرهابه، ما لم نُنهِ الفكر الذي يستند إليه هذا القائد. من هنا تأتي ضرورة نشر الوعي بين الناس لمحو آثار الفكر المتطرف والمتأخر، ليحل مكانه فكر أكثر تقدماً، وبالتالي أكثر حداثة.