سيرورة الثورة السورية: تحديات الواقع وآفاق المستقبل
إن انتصا، الثورة لا يعني وصول المجتمع السوري لمبتغاه النهائي. وما قدمه الشعب السوري من تضحيات يشهد لها العالم، هو لبدء مشواره التاريخي في سيرورة التحول والتطور. لقد اثبت التاريخ أن المجتمعات لا تتقدم حقيقياُ إلا إذا كونت تحربتها بنفسها، ولامست تعبها وإنجازه، انتصار الثورة يعني من رؤية تاريخانية، لتكوين الطريق الأصعب في إطار عملية جدلية بين الفاعل والمفعول. بين الذات الآدمية المفطورة على طبيعتها الحرة. وبين مفهمة هذه العلاقة. وجعلها منظورا إنسانيا. في سبيل تمكين الذات السورية بوعي احاجتها ونقصانها، وإدراك انها لن تدخل جدلية الفاعل والمفعول، الا اذا امتلكت نزوع تجربتها الخاصة، وولوج مغامرات التاريخ بعين يقظة وجهد حي. في سبيل تجسيد الفاعل وعلاقته بالواقع.
ما تحقق في سوريا عظيم ورائع، حلم رومانسي غير معقول. وغير معقوليته هذه كانت نتيجة سيطرة الجحيم المتمكن من الحياة السورية. والذي استطاع إلى حد ٍ ما انتزاع جذوتها ومعناها الانساني.
لكن ما وقع في سوريا خلق الرؤية المستقبلية، لمجتمع تقوده نخبة جديدة في سياق المنفعة والعقلية المؤسساتية، نخبة لا ينقصها الحذر من الوقوع في المصائد الأيديولوجية ، وإلاّ سيعود المستقبل السياسي السوري لوجشية سجن صيد نايا من جديد
الثورة رفض لمقومات واقع معاش، ومهمتها الأساسية هي تدمير هذه المكونات التي لم تعد مقبولة من الناس، أما ما يخص إعادة بناء واقع جديد ليس من مهامها، بل هو من مهام النخبة السياسية التي تتعهد بإنجاز المرحلة الجديدة اجتماعيا وسياسياً واقتصادياً بما يلبي حاجات التقدم في اطار مستلزمات العصر.
اصعب ما سيواجه التغيير في سوريا هو الاعتياد النفسي الفردي والجمعي، وما جذره الخوف المزمن في نفوس السوريين، بعد أن فعلت عائلة الأسد المافيوية ما فعلته من خراب مجتمعي شامل.
الديكتاتورية الاسدية انشات أجيال استبدلت الحق والقانون بالشطارة والفهلويه،
وأصبح الكذب والاحتيال أسلوبا للعيش. ناهيك عن التماهي بالسلطة الذي نخر في أعصاب السوريين. حيث تمكن نظام الأسد تجذير الفساد والرشوة والنهب. واسقاط معاني الشرف والأخلاق و الكرامة.
إن تخلف المجتمعات العربية ومنها السوري. وإثبات أن التاريخ يرفض ما يسمى بحرق المراحل في سيرورته. والتجربة الأشد دليلا على ذلك هي التجربة السوفياتية. حين اعتبر الحزب الشيوعي السوفياتي قبل واوان سيطرته على السلطة، أن روسيا مرت بالمرحلة الرأسمالية وانهته، وترسخت ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بفترة زمنية مكثفة وقصيرة. مما يتوجب العمل على الانتقال للمرحلة الاشتراكية. وهنا كان المطب التاريخي الذي كان وراء انهيار امبراطورية هائلة كالاتحاد السوفيتي. ان للتاريخ عاداته وتقاليده الثابتة، على ما يبدو، التي لا يستطيع احد من المجتمعات البشرية تجاوزها.
أن الترجمة التاريخية لهذه السيرورة تتمثل بالمسار السياسي والفكري المناسب لطبيعة مكونات المجتمع، ومكانتها في سلم التطور. اي أن القفز عما تتطلبه كل مرحلة من مراحل تطوره. يعني القفز في الهواء، في الخواء. والسقوط في الهاوية الايديولوجية التي قد تحقق شيئا ما الا انه سيبقى سطحيا هشا، ينطوي انهيار ه المؤكد.
اعتقد انه يجب مراعاة مايشترطه المجتمع السوري من مراحل التطور الاجتماعي من القبلية والعشائرية والطوائفية إلى مجتمع قومي متماسك النسيج. وما يحتاجه مهم لكن كيف نستوعب مضمونه دون امتلاك لغته، ومعرفة مستوى تفكيره، ولغة لسانه، وهذا يعني أن أي فكر سياسي يحب أن لا يهمل الشروط التاريخية لسيرورة التطور. أي أن يؤهلن وعيه، دون ذلك سيبقى الطلاق قائما بين المجتمع ونخبته. مما يؤدي إلى إلى استرجاع تاريخي ينتج التفسخ والموات.
من الطبيعي ان تسود في مقابلات السيد احمد الشرع اللغة الإسلامية وغياب اللغة العربية، أي ان انتماءه الديني اقوى بما لا يقاس من انتمائه العربي. والملفت ان الرضى الأمريكي عن هذا حاضر باهتمام. لأن ما يقوم به الشرع هو متناسق مع الرؤية أمريكية للشرق الأوسط . حين زار أوباما القاهرة تكلم مع مصر كدولة إسلامية. كما أنني اعتقد ان الامريكان يميلون الى ان يحكم هذه المنطقة الإسلام المعتدل، وبما أن كانت تلك المرحلة تعاني من تطرف إسلامي شديد، وأن الغرب اصطدم بها وجها لوجه، بانهيار الأبراج لمركز التجارة العالمي في نيويورك عام 200, 11. سبتمبر، وكان مقتل أسامة بن لادن بمشاهدة أوباما،
لذلك اعتبر أوباما أن الإسلام السنوي هو مصدر الإرهاب، مما جعله يعتبر ان المذهب الشيعي هو الطرف المسالم في الإسلام، وذلك أدى إلى التعامل مع ايران وفتح لها أبواب الشرق الأوسط، وهذا ما يبرر المواقف الغربية غير الإنسانية من الثورة السورية، بالإضافة إلى أن الروس كانوا مصابين بذات الفوبيا السنية، لأنهم لم ينسوا حربهم المريرة ضد الشيشان السنة، وأكد ذلك تصريح لافروف وزير الخارجية الروسية الوقح والغبي: أننا لن نسمح أن لأهل السنة أن تحكم سوريا، لكن ما فعلته ايران في العالم العربي عزز الإرهاب، وشهد العالم اسلاماً خاليا كلياُ من المنطق، اسلاما خاضعاً لوثن واحد هو ولي الفقيه، خاصة النفور من وجودها على الحدود الإسرائيلية في لبنان، متمثلا بحزب الله الذي بات مزعجا جدياُ لإسرائيل متى رغبت ايران، تغير المزاج الغربي، ووجد انه كان على غير صواب، وهاي هي تركيا تقدم نموذجها الإسلامي في سوريا، حيث تريد أن تؤكد للغرب أن اهل السنه هم الأمة أولاً، وهم الأقدر على الاعتدال ثانياً، (الإسلام المعتدل لا يعني الاخوان المسلمين). وأظن أيضا أن مرد هذا الميل الغربي للحكم الإسلامي، هو ناتج عن اعتقادهم أنه الشرط التاريخي لتطور المجتمعات العربية الإسلامية، أو على الأقل لهدوئها وإخماد التطرف فيها، وهذا ما وجدوه في السيد الشرع.
يبدو أن هذا الرجل اشتغل على نفسه كثيراً، مما أدى به لاستيعاب الميل السياسي الأمريكي واجاد تمثله، تصرفاته وأحاديثه تكاد تخلو مما يثير التساؤل أو الحفيظة، ولا ينقصها مايدل على وعي متطلبات الواقع السياسي السوري والعربي والاممي. أو قد يتهيأ للمراقب كأن ما يجري في سلوكيات القيادة السورية الجديدة مرسوم ومعدً باهتمام ٍ مناسب وهذه السلوكيات تذكر بشده اقترابها من علمانية اسلام “حزب العدالة” التركي،
ومن الملاحظ بوضوح أن أحاديث السيد الشرع قد خلت من مسالتين نعنبران عماد الخطاب السياسي العربي وهما: الانتماء العروبي واشكاليته القومية (فلسطين). حيث لم يأت على ذكر أي منهما. رغم ان سوريا توصف بقلب العروبة النابض. وحاملة الهم القومي. واميل للاعتقاد أن السيد الشرع يدرك ان اي تقرب امريكي من اي نظام عربي سوف يحمل مباركة اسرائيلية. ومن هنا وجد الشرع ألا بالاغتبار الآن سوى مهمة إعادة بناء سوريا بهدوء، وتأجيل مستلزمات أخرى لأنها استراتيجية، ولا يمكن التحدث بها دونما محتمع معافى وقادر.
انا لا أرى في الكثير مما يقوله الشرع ما اختلف معه، خاصة بما هو قومي. على. اعتباره يعتمد منطقاً عقلانياً يأخذ حال الواقع السوري المنهك كليا. ان لم نقل المدمر. بالحسبان.
لكن رسائل الارتياح التي يبعث بها الشرع لإسرائيل بخصوص صراعها مع العرب، قد قابلتها باستعلاء، وعجرفة مقززة، غير محسوبة ولامسؤولة تاريخيا. انها تؤكد عداءها للعرب، وتتجاوز كل القوانين والأخلاق الاممية والإنسانية. انها تحول المشاعر القومية العربية لد.ى السوريين إلى ادراك ٍوجودي. وعلى اسرائيل التي تعلن اليوم عداها العاهر بضربها البنى العسكرية الأساسية في سوريا. مستفلة الخمود العربي وتشرد الشعب السوري، أن تعلم ان الإسلام ليس دينا فقط بل هو قومية ايضا. صلاح الدين الأيوبي فتح القدس كمسلم، ولم يفتحها كعربي..
الرؤية الواقعية تناقض الايديولوجيه، ما نتمناه هو ما يجب أن يكون، ومايجب أن يكون له صيرورته التي يجب أن نفهمها، خاصة في مجتمعات متخلفة، إلا إذا كنا نفكر على طريقة: كن فيكون …
حينها سنكون سحرة، نخرج نظرياتنا الفذلكية من جيبتنا الخلفية، وننثرها على الدنيا فتصير كما نشتهي، يكون هذا عندما لا نرى أن هناك مسافة يجب أن ندركها بين ما هو كائن، وبين ما يجب أن يكون. فمهما كانت احصنتنا قادرة لا تستطيع القفز فوقها، إلا إذا كان لها أجنحة، أو أن نركب (البراق) ونطير للمستقبل ، دون عناء، ودون ازعاج عقولنا. قال المفكر العربي الكبير ياسين الحافظ: “يجب أن نُخرج رؤوسنا من الواقع، لا أن نخرج الواقع من رؤوسنا
يبقى السؤال:
هل هذا يعني أن الشرط التاريخي يفرض تطوراً طبيعيا متسلسلا ؟
وهل التحولات التي طرأت على سوريا سياسياً، وضعت الواقع السوري في أطار ذلك التسلسل؟
إن النظام السوري المزيف التكوين: علماني على طائفي على ديكتاتوري على مدني على اشتراكي وتقدمي على متخلف، كان عائقاُ امام سير التاريخ بزيفه الحربائي ذاك، وقدرته على تهريب نفسه، وتحوله الشكلي لكل ظرف جلد مختلف، ولسان امتهن الشطارة والخداع. فهل بوصول الاسلام السياسي، المعتدل حتى الان، يضعالحراك الاجتماعي السوري في سياقه التاريخي الصحيح، ويتكون من جديد العمل السياسي الحقيقي، وتصبح المعارضة السياسية لها معناها ودورها الدافع للتقدم؟
ام في ظل هذا العالم المعقد. وهيمنة عولمة راسمالية ساحقة لم تعد تسمح بتلك السيرورة التاريخية الطبيعية والتقليدية للتطور في المجتمعات المتخلفة. أوليس يعني هذا أن المجتمعات المتخلفة تحتاج إلى ابداع ٍ فكري وسياسي، في سبيل إنتاج مقدمات مادية ونظرية للوصول إلى عتبة المشوار التاريخي للامام، وأن تمتلك نخبة اكتسبت وعيا كونيا مناسبا، يعمل على اهلنة ذاته، لاستيعاب مستلزمات التقدم في واقع متخلف يعيش على هامش عالم صعب الولوج ؟